للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهنا قال: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} بالجمع فهل الله عز وجل له أكثر من يدين؟ الجواب: لا، ليس لله أكثر من يدين، ليس له إلا يدان اثنتان، وجمع هنا من أجل المناسبة؛ لأن الأفصح في المثنى إذا أضيف إلى جمع الجمع، ألم تر إلى قول الله تعالى {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} (١) مع أنه ليس للإنسان إلا قلب واحد، فهنا لما أضافه إلى الضمير المفيد للجمع - وهنا للتعظيم بلا شك - ناسب الجمع، وأيضًا فإن الجمع أبلغ في التعظيم فلهذا جمعت، وأيضًا فإن هذه الأنعام لا يحصيها إلا الله عز وجل فهي جموع كثيرة، كل واحد منها تحتاج إلى فعل خاص؛ لأن لكل واحدة خلق خاص، فجمع أيضًا باعتبار المعمول الذي هو هذه الأنعام، وعلى كل حال فهذه الآية لا شك إنها تفيد إثبات اليد لله عز وجل، ولكنها لا تفيد أنه له أكثر من يدين لما تقدم من وجوه الجمع.

فإذا قال قائل: مأ هو الدليل على أنه ليس لله إلا يدان اثنتان؟

قلنا: الدليل أن الله تعالى تمدح بهما في مقام المدح والعطاء والرزق، ولو كان له أكثر من ذلك لذكرها لاقتضاء المقام إياه، قال الله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} (٢) ولو كان له أكثر من واحدة لقال: (بل أيديه) لأنه بلا شك كلما كثرت الأيدي كثر العطاء وهذا باعتبار المخلوق، أما الخالق عز وجل فعطاؤه لا ينفد، ولا يعد،


(١) سورة التحريم، الآية: ٤.
(٢) سورة المائدة، الآية: ٦٤.

<<  <   >  >>