للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلت: القمح هو البر. فهذا حد لفظي، وتفسير الخشية بالخوف فيه نظر؛ لأن هذا الحد غير مانع؛ لأن الخشية ليست مجرد الخوف، بل الخشية هي: الخوف عن علم بالمحوف وعظمته، بدليل قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (١) فالخوف قد لا يكون لعظمة المخوف، ولكن لضعف الخائف. لكن الخشية لا تكون إلا لعظمة المخوف إذا عرفها الخاشي عظم هذا المخشي فخشيه، إذن بينهما فرق، فتفسير الخشية بمطلق الخوف فيه نظر، والصواب أن يقال: الخشية هي الخوف عن علم بعظمة المخوف، فالخشية ناشئة عن تعظيم المخشي، أما الخوف فقد يكون ناشئًا عن ذلك، وقد يكون ناشئًا عن ضعف الخائف.

وقوله: {الرَّحْمَنَ} اختيار هذا الاسم هنا دون ذكر لفظ الجلالة (الله) عز وجل؛ لأن الإنسان الذي يخشى الله تعالى يخافه عن علم، فطمأن الله الخائف والخاشي بأنه إنما يخشى رحمانًا يرحمه، فكلما عظمت خشيتك لله عظمت رحمة الله بك؛ لأن الله -عز وجل- إذا خافه الإنسان وخشيه، فإنه يرحمه؛ لأنه ما من إنسان يخشى الله حقيقة إلا سيقوم بأوامره، ويجتنب نواهيه، وحينئذ يكون متعرضًا للرحمة، هذه المناسة لذكر الرحمن دون ذكر لفظ الجلالة: (الله) والله أعلم.

وقوله: {بِالْغَيْبِ} قال المؤلف: (ولم يره) كأنه يفسر أن المراد بالغيب: أنه يخشى الله مع غيبة الله عنه، فيكون بالغيب حالًا من المخشي، يعني يخشى الله والله غائب عنه، هذا أحد


(١) سورة فاطر، الآية: ٢٨.

<<  <   >  >>