للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالإرادة، لأنهم يؤمنون بالإرادة، وإما بالفعل؛ لأن الفعل منفصل عن الفاعل، -يعني المفعول منفصل عن الفاعل- فهم يفسرونها: إما بالإحسان وهو مخلوق منفصل، وإما بإرادة الإحسان؛ لأنهم يقرون بالإرادة، ولا شك أن قولهم هذا باطل، وأنه إنكار صفة من أعظم صفات الله عز وجل وهي من أبرز صفاته، فقد قال الله تعالى: "إن رحمتي سبقت غضبي" (١) والعجب كل العجب أنهم يقولون: إن الإرادة دل عليها العقل، والرحمة دل العقل على انتفائها، قالوا: لأن التخصيص دال على الإرادة، فمثلًا هذه سماء، وهذه أرض، وهذه شمس، وهذا قمر، إلى آخره، يدل على الإرادة لأنه لا مخصص إلا بإرادة، أما الرحمة فيقولون: إن العقل لا يدل عليها، بل يدل على انتفائها.

فنقول: عجبًا لكم، دلالة العقل على الرحمة أبلغ وأظهر وأوضح من دلالته على الإرادة، ولهذا جعلتم دلالة العقل على الإرادة بالتخصيص، وهذا لا يفهمه إلا خواص النالس، فلو سألت طالب العلم بدون أن يعرف البحث ما استدل بالتخصيص على الإرادة وهو طالب علم، لكن الرحمة كل يعرف أن لله تعالى رحمة، ويستدل عليها بالعقل، تأتي العامي في السوق فنقول: نزل المطر، واخضرت الأرض، ورويت الزروع، وما أشبه ذلك، من أين هذا؟ فيقول لك مباشرة: من رحمة الله، فيستدل بالنعم


(١) أخرجه البخاري، كتاب التوحيد، باب قوله تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١)} (٧٤٥٣) ومسلم، كتاب التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها تغلب غضبه (١٥) (٦٩٧٠).

<<  <   >  >>