للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَرسلَ على هَؤلاءِ المستكبِرين الَّذين يَقولون مَن أَشَدُّ منَّا قُوَّةً الرِّيحَ اللَّيِّنةَ الهَيِّنةَ، ومن حِكمةِ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ في هذا العَذابِ أنَّها لم تَكُنْ تَجرُفُهم في آنٍ واحدٍ، بل سُلِّطت عليهم سبعَ لَيالٍ وثَمانيَةَ أيَّامٍ، ليَكونَ هذا أَشَدَّ في استِمْرارِ العُقوبَةِ؛ لأنَّ الإنْسانَ المُعاقَبَ لو عوقِبَ بما يُهلِكُه فورًا لكان ينتهي من العُقوبَةِ، لَكِنْ إذا كانت العُقوبَةُ تأتي عليه في ساعاتٍ أو أيَّامٍ صار هذا أَشَدَّ.

الْفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ: بَيانُ أنَّ أفعالَ اللهِ تَعالَى مَقرونَةٌ بالحِكمةِ؛ لقوله: {لِنُذِيقَهُمْ} [فُصِّلَت: ١٦]، وهذا مَذهبُ أهلِ السُّنَّة والجماعَةِ: أنَّ أفعَالَ اللهِ تَعالَى مَقرونَةٌ بالحِكمةِ، وأنَّ شرعَه مَقرونٌ بالحِكمةِ، فكُلُّ ما شَرَعه أو قدَّرَه، فإنَّه لحِكمةٍ، منها ما هو مَعلومٌ، ومنها ما ليس بمَعلومٍ، مِثْلَ: الصَّلواتِ الخَمسِ ما نعلمُ الحِكمَةَ في أنَّها خَمسٌ؛ لأنَّ عُقولَنا قاصِرةٌ، لكنَّنا نعلمُ أنَّ اللهَ لا يَفعلُ شيئًا إلَّا لحِكمةٍ، ولهذا كان جَوابُ عائِشَةَ - رضي الله عنها - لمُعاذَةَ أن قالت: "كان يُصيبُنا ذلك فنُؤمَرُ بقَضاءِ الصَّومِ ولا نُؤمَرُ بقَضاءِ الصَّلاةِ" (١) يعني: وإذا كان الأَمرُ كذلك نُؤمَرُ بقَضاءِ هذا دون هذا فهذا لا بُدَّ أن يَكونَ لحِكْمةٍ.

ومن عُلماءِ الأُمَّة وفِرَقِها مَن يَقولُ: إنَّ أفعالَ اللهِ لا تُعَلَّلُ، ليس لها حِكمةٌ، وشَرْعَه ليس له حِكمَةٌ، يُفعلُ لمجرَّدِ المَشيئَةِ، يُحكَمُ بالشَّرعِ لمُجرَّد المَشيئَةِ، وهؤلاء لا شكَّ أنَّهم وَصَفوا اللهَ بالنَّقصِ والسَّفَهِ، وقد أَنكَرَ اللهُ على ذلك بقولِه تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [ص: ٢٧]، وقال: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ} [الدخان: ٣٨] وقال: {أَفَحَسِبْتُمْ


(١) أخرجه البخاري: كتاب الحيض، باب لا تقضي الحائض الصلاة، رقم (٣٢١)، ومسلم: كتاب الحيض، باب وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة، رقم (٣٣٥).

<<  <   >  >>