للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: ١١٥]، والآياتُ في هذا كَثيرةٌ، وكُلُّ آيةٍ فيها لامُ التَّعليلِ فإنَّها تَدُلُّ على الحِكمةِ.

وآخَرونَ عَكَسوا وقالوا: إنَّ أفعالَ اللهِ مُعلَّلةٌ بحِكمةٍ، وأنَّه يَجبُ عليه أن يَفعلَ ما تَقتَضيه الحِكمةُ، وأن يُشرِّعَ ما تَقتَضيه الحِكمَةُ، وهؤلاء أصابوا مِن وَجهٍ وأَخطَؤوا مِن وَجهٍ، فإنْ أَرادوا بذلك أنَّنا نُوجبُ على اللهِ أن يَفعلَ ما تَقتَضي عُقولُنا أنَّه الحِكمةُ فهذا غَلطٌ، وإنْ أرادوا أنَّ اللهَ أَوجَبَ على نَفسِه أن يَفعلَ ما بِه الحِكمةُ؛ لأنَّه حَكيمٌ، فهذا صَحيحٌ.

ونحنُ لا نشكُّ أنَّ الحكمَةَ هي مُرادُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وأنَّه لا يَفعلُ شيئًا ولا يَحكُمُ شيئًا إلَّا لحِكمَةٍ، لكن هل نحنُ الَّذين نُقدِّر الحكمةَ ثمَّ نُوجبُ على اللهِ أن يَفعلَ؟ هذا هو الخَطأُ.

فالثَّاني هذا مَذهَبُ المُعتزِلَةِ، والأَوَّل مَذهبُ الأشاعِرَةِ وأَتْباعِهم.

والصَّوابُ الوَسَطُ، ودائمًا خيرُ الأُمورِ الوَسَطُ، وهو أنَّ اللهَ يَجِبُ عليه أن يَفعلَ لإيجابِه على نفسِه الحِكمَةَ؛ لأنَّه نفى أن يَكونَ فعلُه عبثًا أو لَعِبًا أو باطلًا، وهذا يَقتَضي أنَّه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يَفعلُ الأَشْياءَ لحِكمَةٍ، لكنَّنا لَسنا نَحنُ الَّذينَ نوجبُها على اللهِ.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: أنَّ عذابَ الآخِرَةِ أَشدُّ من عَذابِ الدُّنيا؛ لقولِهِ: {لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: أنَّ الكافِرَ يُعاقَبُ بالعُقوبتَينِ: عُقوبَةِ الدُّنيا وعُقوبَةِ الآخِرَةِ؛ لقولِه: {لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى}. أَمَّا المُؤمنُ فإنَّ اللهَ تَعالَى لا يَجمعُ عليه عُقوبتَينِ، إذا عوقِبَ بالذَّنبِ في الدُّنيا لم يُعاقَبْ به في الْآخرَةِ؛

<<  <   >  >>