للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لقولِه تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: ٣٠]؛ ولأنَّ النَّبيَّ - صلَّى اللهُ عليه وعَلَى آلِه وسلَّم- "أَخبَرَ أنَّ مَن أتى شيئًا مِن هذه القَاذوراتِ -يَعني المَعاصي-، فعوقِبَ به في الدُّنيا لَمْ يُعذَّبْ به في الْآخرَةِ" (١)، فالمُؤمنُ إذا عوقِبَ في الدُّنيا عَلى عَمَلِه لَمْ يُعاقَبْ في الآخِرَةِ، والكافر يُعاقَبُ بهذا وهذا.

وانظُرْ إلى قولِه تَعالَى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (٦٨) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الفرقان: ٦٨ - ٦٩] حيثُ قال: {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ} فإمَّا أنْ يَكونَ المُرادُ أنَّ عَذابَ الآخِرَةِ أَشدُّ فيَكونُ بالنِّسبَةِ لشِدَّتِه مُضاعفًا، وإمَّا أنْ يَكونَ هو الجَمعُ له بَينَ عَذابِ الدُّنيا وعَذابِ الآخِرَةِ.

وقولُنا: "إنَّه يَجمعُ له بَينَ عَذابينِ" ليس مَعْناه أنَّه حتميٌّ، لكن نَقولُ: إنَّه إذا عُذِّب بذَنْبِه في الدُّنيا لم يَسلَمْ من تَعذيبِه به في الآخِرَةِ، حتَّى لا يَرِدُ علينا أنَّ الكُفَّار الآنَ يَموتون وهم في غايةِ ما يَكونُ من السُّرورِ والعافيةِ والأَمْوالِ والأَولادِ ولم يَجِدوا عَذابًا، والمَعْنى أنَّهم لم يَجِدوا عَذابًا يُشاهدُ لكنَّ العَذابَ القَلبيَّ عندهُمْ لا شكَّ أنَّه مَوجودٌ، فأَشَدُّ النَّاس عذابًا قَلبيًّا وقلقًا هم الكُفَّار، وكلَّما كان الإنسانُ أَعْصى لربِّه كان أَشدَّ قلقًا وأقلَّ راحةً، وكُلَّما كان أَشدَّ إيمانًا وعملًا صالِحًا كان أَشدَّ طُمأنينَةً.

واستمعْ إلى قَولِه تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: ٩٧] ولم يَقُلْ عَزَّ وَجَلَّ:


(١) أخرجه البخاري: كتاب مناقب الأنصار، باب وفود الأنصار إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة، رقم (٣٨٩٢)، ومسلم: كتاب الحدود، باب الحدود كفارات لأهلها، رقم (١٧٠٩)، من حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>