للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَقولُ المُفسِّرُ رَحَمِهُ اللهُ: [{حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا} زائدَةٌ] يَعني: كَلِمَةَ {مَا} زائدَةٌ؛ لأنَّها وقعت بَعْدَ {إِذَا}، وكُلَّما وقعت (ما) بعدَ (إذا) فهي زائدَةٌ، وعليك بحِفْظِ البيتِ:

يا طالبًا خُذْ فائدَه ... (ما) بَعدَ (إذا) زائدَه

قولُه تعالى: {حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا} {جَاءُوهَا} أي وصلوا إليها {شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} قَبْلَ أن يَدخُلوها تَستَشْهِدُ عليهم هذه الجوارحُ حتَّى يَدخُلوا وهم موقِنونَ أنَّهم عومِلوا بالعَدْلِ والإنصافِ.

ويَشْهَدُ عليهم سَمْعُهم، فهل يَشْهَدُ بما سَمِعوا مِن اللَّغوِ والكَلامِ المُحرَّمِ، أو يَشهدُ السَّمْعُ بجَميعِ الأعمالِ؟ يَحتَمِلُ وَجْهَينِ: إمَّا أن يَكونَ المَعنَى: شَهِدَ عليهم سَمْعُهم بما سَمِعوا مِنَ الباطِلِ، وأَبصارُهُم بما شاهَدوه مِن الباطلِ، وجُلودُهم بما لمَسوا مِنَ الباطلِ، أو أنَّ هذه الأعضاءَ تَشْهَدُ على كُلِّ عَمَلٍ عَمِلوه، يَحتَمِلُ هذا وهذا، والثَّاني أَعظَمُ، أن يَكونَ السَّمعُ يَشهَدُ بما حَصَلَ عن طَريقِهِ، وبما حَصَلَ عن طَريقِ البَصَرِ، وبما حَصَلَ عن طَريقِ اللَّمْسِ، هذا أعظَمُ مِمَّا لو شَهِدَ بما حَصَلَ منه فقط.

وهَلْ هذا الإِشْهادُ بعد إِنكارٍ أو لِلتَّحقيقِ والتَّوكيدِ؟

الجواب: ليس في الآيَةِ ما يَدُلُّ على ذلك، لكن قيلَ -كما في آيَةٍ أُخْرَى- أنَّ هذا إِنَّما يَكونُ بعدَ إنكارِهِم أن يَكونوا أَشْركوا كما قال تَعالَى: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: ٢٣].

وقولُهُ: {وَجُلُودُهُمْ} بما مَسَّت، وهي أَعَمُّ من شَهادَةِ السَّمعِ والبَصَرِ؛ لأنَّه يَدْخُلُ في ذلكَ اليدُ والرِّجلُ والشَّمُّ وغيرُ ذلك، كُلُّ هذا عَن طَريقِ المُلامَسَةِ.

<<  <   >  >>