للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذلكَ، كُلُّه يُسبِّحُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ؛ أي: يُستَدَلُّ به على تَنزيهِ اللهِ عن كُلِّ نقصٍ وعَيبٍ. فإِنْ قال قائلٌ: هل عُمومُ قولِه تَعالَى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} ينطبق على قول الصحابة أن الطعام كان يسبح بين أيديهم {وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} بأن يَكونَ سَبَّحَ ولكن لم يَفْقَهوا تَسبيحَه إلَّا بإخبارِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أو أَنَّه سَبَّحَ حَقيقةً يَفهمُه أيُّ أحدٍ.

فالجَوابُ: ظاهرُ النُّصوصِ أنَّه يُسبِّحُ حَقيقَةً، لكنَّ التَّسبيحَ {لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} باعتِبارِ المَجموعِ لا بِاعتِبارِ كُلِّ فردٍ، فإنَّ مِنَ الأشياءِ ما نَسمَعُ تَسبيحَه يُسبّحُ تمامًا {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ} [ص: ١٨] فالظَّاهرُ أنَّها تُردِّدُ كما قال تعالى: {يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} [سبأ: ١٠].

فإن قيلَ: هل التَّسبيحُ كما نقولُ نَحنُ أو خاصٌّ بها؟

فالجَوابُ: أنَّه تَقولُ سبحانَ اللهِ.

وإن قيل: هل صوتُ غَديرِ الماءِ هو تَسبيحُهُ؟

فالجَوابُ: لَا، هذا خطأٌ، فخَريرُ الماءِ ليس صوتَ تَسبيحٍ، بل هذا طَبيعيٌّ، فهل نَقولُ حركةُ الإنسانِ بالأرضِ إذا وَطِئت أقَدامُه الأرضَ وسَمِعَ لها الصَّوتَ هذا تَسبيحٌ؟ !

يَقولُ المفسِّرُ رَحَمِهُ اللهُ: [{وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} قيل: هو مِن كلامِ الجلودِ، وقيل هو مِن كَلامِ اللهِ تَعالَى كالَّذي بَعدَهُ، وموقِعُه قَريبٌ مِمَّا قَبلَه، بأنَّ القادِرَ على إِنشائِكم ابتداءً وإِعادَتِكم بعدَ الموتِ أَحياءً قادرٌ على إِنطاقِ جُلودِكم وأَعضائِكم].

<<  <   >  >>