للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمَوضِعُ الثَّاني في سورَةِ الأحزابِ قولُه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (٦٤) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} [الأحزاب: ٦٤ - ٦٥].

والمَوضِعُ الثَّالثُ في سورَةِ الجِنِّ قولُه تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [الجن: ٢٣].

ولهذا الإنسان يَعجَبُ أن يَقَعَ من بعضِ العُلماءِ القَولُ بأنَّ النَّارَ تفنى مع وُجودِ الآياتِ الثَّلاثِ.

وقولُه: {وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ} قد يَكونُ فيها إشارَةٌ إلى أنَّها ستَبقى أَبَدَ الآبِدينَ لأنَّه لو كان لها مُنتَهى فسوف يَعْتَبون في النِّهايَةِ.

فإِنْ قال قائلٌ: هل يَثبُتُ عن ابنِ القَيِّمِ القَولُ بفَناءِ النَّارِ؟

فالجَوابُ: ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ تَجِدُ كَلامَه في (مِفتاحِ دارِ السَّعادَةِ) وفي (شِفاءُ العَليلِ) (١) تَشَمُّ منه رائحَةَ أنَّه يُرَجِّحُ ذلك بأنَّه ذَكَرَ القَولَينِ وذَكَرَ الأَدِلَّةَ، وهو رَحِمَهُ اللهُ إذا تَكلَّمَ يشفي ويُطيلُ النَّفَسَ، فكَلامُه في هذين الكِتابَينِ تَشَمُّ منه رائحَةَ أنَّه يَميلُ إلى ذلك، لكن له كَلامٌ آخَرُ في (الوابلُ الصَّيِّبُ) (٢) يدُلُّ على أنَّه يَرى أنَّ النَّارَ نارانِ؛ نارُ الكُفَّارِ هذه لا تفنى لأنَّهم خالدين فيها أبدًا، ونارُ العُصاةِ الَّذينَ يُعذَّبونَ بقَدْرِ ذُنوبِهم ثُمَّ يُخرَجون تفنى؛ لأنَّ أهلَها خَرَجوا منها، فإذا خَرَجوا منها ما بَقِيَ لبَقائِها فائدَةٌ.

وهذا التَّقسيمُ مِن النَّاحيَةِ العَقليَّةِ تَقسيمٌ قَوِيٌّ -أن يَميلَ إليه الإنسانُ من النَّاحيةِ العَقليَّةِ-، لكن قد يبقى النَّظَرُ بأَنْ يَقولَ القائِلُ ما الدَّليلُ على أنَّ هناك نارين؟


(١) شفاءالعليل (ص: ٢٦٤).
(٢) الوابل الصيب (ص: ٢٠).

<<  <   >  >>