للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكُلُّ ما يَطلُبون فإنَّه مَوجودٌ في الجَنَّةِ، نَسألُ اللهَ أن يَجعلَني وإيَّاكم من أَهلِها.

الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ: أنَّهم يُؤتَونَ هذا الرِّزقَ في الجَنَّةِ على أنَّه إِكرامٌ وكَرامةٌ؛ لقولِهِ: {نُزُلًا}، وأصلُ النُّزُلِ ما يُقدَّمُ للضَّيفِ مِنَ الكَرامَةِ.

الْفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهم إنَّما وَصَلوا إلى ذلك بمَغفِرةِ اللهِ ورَحمَتِه؛ لقولِه: {نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ}، ولولا ذلك ما وَصَلوا إلى ما وَصَلوا إليه، ولهذا أَخْبَرَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه "لن يَدخُلَ الجَنَّةَ أحدٌ بعَمَلِه"، قالوا: ولا أنت يا رَسولَ اللهِ؟ قال: "ولا أنا؛ إلَّا أن يَتَغَمَّدَني اللهُ برَحمَتِه" (١)، فالإنسانُ لا يَصِلُ إلى الجَنَّةِ بالعَمَلِ، ووَجهُ ذلك أنَّه لو قوبِلَ العَمَلُ بالنِّعمَةِ الَّتي أَنعَمَ اللهُ بها على الإنسانِ لم يَكُنْ شيئًا، إذ إنَّ نِعَمَ اللهِ لا تُحْصَى ولا تُعَدُّ.

بل قال بَعضُ أهلِ العِلمِ: إِنَّ شُكرَ نِعمَةِ اللهِ على النِّعمَةِ هو نِعمَةٌ يَحتاجُ إلى شُكرٍ ثانٍ، والشُّكرُ الثَّاني نِعمَةٌ يَحتاجُ إلى شُكرٍ ثَالثٍ وهَلُمَّ جرًّا، وعليه يَقولُ الشَّاعرُ (٢):

إذا كان شُكْري نِعمَةَ اللهِ نِعمَةً ... عَلَيَّ له في مِثلِها يَجبُ الشُّكرُ

فكيف بُلوغُ الشُّكرِ إلَّا بفَضلِه ... وإن طالت الأيَّامُ واتَّصلَ العُمرُ

فإِنْ قالَ قائِلٌ: في الحَدِيثِ: "لا يَدخُلُ الجَنَّةَ مَن كان في قَلْبه مِثقالُ ذَرَّةٍ مِن


(١) أخرجه البخاري: كتاب المرضى، باب تمني المريض الموت، رقم (٥٦٧٣)، ومسلم: كتاب صفة القيامة، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله بل برحمة الله تعالى، رقم (٢٨١٦)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢) البيتان لمحمود بن الحسن الوراق، انظر: الفاضل للمبرد (ص: ٩٥، والصناعتين لأبي هلال العسكري (ص: ٢٣٢).

<<  <   >  >>