للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كِبْرٍ" (١). هَلْ لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ دُخُولًا أوَّليًّا، أمْ لا يَدخُلُ الجَنَّةَ أبَدًا؟

فالجَوابُ: هَذا فِيه تَفصِيلٌ؛ إنْ كان الكِبْرُ كُفرًا فَلا يَدخُل الجَنَّة أبَدًا، وإنْ كان كِبْرٌ مَعَ الإيمانِ فَإنَّه لا يَدخُلُها الدُّخُولَ المُطلَقَ الَّذي لمْ يُسبَق بعَذابٍ، وهَذا أيْضًا مِن آيات الوَعِيدِ، إذا شاء اللهُ تَعالَى عَفا عَنْه {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨].

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: إِثباتُ اسمَينِ مِن أَسماءِ اللهِ وهُما الغَفورُ الرَّحيمُ.

وهُنا قاعدَةٌ مُفيدَةٌ في الأسماءِ الحُسنى: الأَسْماءُ الحُسنى تَدُلُّ على الذَّاتِ والصِّفاتِ دَلالَةً مُطابقَةً وتَضمَنُ ودَلالَةَ التِزامٍ، فغَفور يَدُلُّ على أنَّ هُناك غافرًا وهو اللهُ، ويدُلُّ على صِفةِ المَغفرَةِ له إذ لا يُمكِنُ أن يُوجَدَ اسمٌ مُشتقٌّ لا يوجَدُ في مَوصوفِه أَصلُ الاشتِقاقِ، ولهذا لا تَقولُ للأعمى أنَّه بَصيرٌ ولا الأَصَمِّ أنَّه سَميعٌ.

فلا بدَّ إذن مِن إثباتِ الذَّاتِ المُتَّصِفَةِ بما دلَّ عليه الِاسمُ، ولا بدَّ مِن إثباتِ الصِّفَةِ الَّتي اشتُقَّ منها الِاسمُ، ولا بُدَّ أيضًا مِن إثباتِ لازمِ تلك الصِّفةِ، مِثالُ ذلك قال اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: ١٢].

فأَخبَرَ أنَّه خَلَقَ وبَيَّنَ أنَّه أخبَرنا بذلك لنَعلمَ أنَّه على كُلِّ شيءٍ قدير، وأنَّ اللهَ قد أَحاطَ بكُلِّ شيءٍ عِلمًا، فكيف دَلَّت صِفةُ الخَلقِ على العِلمِ والقُدرَةِ؛ لأنَّه لا يُمكنُ أن يَخلُقَ إلا بِعلمٍ، فهو يَعلمُ كيف يَخلُقُ، ولا يُمكنُ أن يَخلُقَ إلَّا بقُدرَةٍ؛ ولهذا مَن لا عِلمَ له لا يُمكنُ أن يَخلُقَ، ومَن عِندَه عِلمٌ ولكنَّه عاجِزٌ لا يُمكِنُ أن يَخلُقَ،


(١) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه، رقم (٩١)، من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>