للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويَكونُ معنى الآيَةِ أنَّه لمَّا كان مِن المُعتادِ أنَّ الإنسانَ لا يَدفَعُ السَّيِّئَةً بالَّتي هي أَحسَنُ أَمَرَه اللهُ أن يَدفَعَ بالَّتي هي أحسنُ وذلك، لأنَّ مُدافعَةَ السَّيِّئةِ تَكونُ من ثَلاثةِ وجوهٍ:

الوَجهُ الأَوَّلُ: أن يَدفَعَ سَيِّئةً بمِثلِها وهذا جائِزٌ، يَقولُ تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: ٤٠].

والثَّانيَةُ: أن يَدفعَ السَّيِّئَةَ بحَسَنَةٍ - لكنَّ هناك شَيئًا أَحسنَ منها - وهذا أيضًا جائِزٌ وهو أَعَلى مِنَ الأَوَّلِ.

الثَّالثُ: أن يَدفَعَ السَّيِّئَةَ {بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} يعني: بأَحسَنِ ما يَدفَعُها به، وهذا أَفضَلُ وأَطيَبُ، وهو الَّذي أَمَرَ اللهُ به. يَعني: إذا أَساءَ إليكَ إِنسانٌ فلا تُقابلْه بإِساءَةٍ ولا تُقابلْه بحَسنَةٍ أيضًا، بل قابِلْه بما هو أَحسَنُ.

يَقولُ المُفسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ مُمَثِّلًا: [كالغَضبِ بالصَّبرِ، والجَهلِ بالحِلمِ، والإِساءَةِ بالعَفوِ]، هذه أَمثلَةُ الغَضبِ بالصَّبرِ يعني: إذا غَضِبَ عليك إِنسانٌ فاصبِرْ وتَحمَّلْ، والجَهلِ بالحِلمِ إذا جَهِلَ عليكَ إنسان بالإِساءةِ فقَابلْه بالحِلمِ.

فإذا قال إِنسانٌ: الجَهلُ هل هو يُقابِلُ الحِلمَ أو يُقابِلُ العِلمَ؟

قُلنا: أمَّا الجَهلُ الَّذي هو عَدمُ العِلمِ فيُقابَلُ بالعِلمِ، وأمَّا الجَهلُ الَّذي هو ضِدُّ الحِلمِ بمَعنى أن يَكونَ الإنسانُ ذا عُدوانٍ على الغَيرِ فهذا يُقابَلُ بالحِلمِ، قال الشَّاعرُ العَربيُّ (١):

ألا لا يَجهَلَنْ أحدٌ علينا ... فنَجهلُ فوقَ جَهلِ الجاهِلينا


(١) البيت لعمرو بن كلثوم من معلقته المشهورة، انظر: جمهرة أشعار العرب (ص: ٣٠٠)، وشرح القصائد السبع لابن الأنباري (ص: ٤٢٦).

<<  <   >  >>