للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكن قد يُعارَضُ هذا الاستدلالُ فيُقالُ: عِبادةُ الجِنسِ الَّذي فيه مُشركٌ ومُوحِّدٌ أفضلُ مِن عِبادةِ جِنسٍ ليس فيه مُشرِكٌ، وذلك لمَشقَّةِ التَّوحيدِ في جِنسٍ فيه مُشرِكٌ والمُوحِّدُ فيكونُ المُوَحِّد مِن بَني آدمَ أفضلَ مِن المَلائِكَةِ؛ لأنَّه عَبَدَ اللهَ في قَومٍ لا يَعبُدون اللهَ، أمَّا المَلائكةُ فكُلُّهم يَعبُدونَ اللهِ ولا يَستكبِرون عن عِبادتِه.

وهذه المَسألَةُ فيها خِلافٌ بينَ أهلِ العِلمِ ولكُلٍّ منهم أَدِلَّة لكن جَمَعَ شَيخُ الإسلامِ رَحِمَهُ اللهُ بينَ الأَدِلَّة فقال: المَلائكَةُ أفضلُ باعتِبارِ البِدايةِ وصالِحُ البَشَرِ أفضلُ باعتِبارِ النِّهايَةِ (١)، وهذا قَولٌ لا بأسَ به، جَمَعَ بين الأَدِلَّةِ الدَّالَةُ على التَّفضيلِ تَفضيلِ المَلائكَةِ على البَشَرِ والبَشَرِ على المَلائكَةِ، ولهذا قال السِّفارينيُّ رَحِمَهُ اللهُ (٢):

وعِندَنا تَفضيلُ أعيانِ البَشَرِ ... على مَلائكِ رَبِّنا كما اشتُهِرَ

قال: ومَن قال سِوَى هذا افْتَرَى ... ..................

قوله: "قال" الأُولى يَعني: الإمامُ أحمدُ -يَعني: مَن قال بغَيرِ تَفضيلِ أعيانِ البَشَرِ على المَلائكَةِ فهو مُفتَرٍ، لكنَّ الصَّوابَ أن نَقولَ كما قال شَيخُ الإسلامِ رَحِمَهُ اللهُ، أمَّا باعتِبارِ البِدايَةِ فالمَلائكَةُ أفضلُ؛ لأنَّهم خُلِقوا مِن نورٍ، و {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: ٦]. لكن في النِّهايَةِ يَكونُ لصالِحِ البَشَرِ مِنَ الثَّوابِ والأَجْرِ والقُربِ مِنَ اللهِ ما ليس للمَلائِكَةِ.

فإِنْ قال قَائلٌ: كيف تَكونُ المَلائكَةُ أفضَلَ بِدايَةً والبَشَرُ أفَضَلَ نِهايَةً؟

فالجَوابُ: المَلائكَةُ أفضَلُ مِن حيثُ البِدايَةُ؛ لأنَّهم خُلِقوا مِن نورٍ وامتَثَلوا


(١) الاختيارات العلمية [المطبوع مع الفتاوى الكبرى] (٥/ ٣٧٩).
(٢) العقيدة السفارينية (ص: ٩٠).

<<  <   >  >>