للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمْرَ اللهِ، وليس فيهم مَن يَستَكبِرُ عن عِبادَةِ اللهِ، لكن في النِّهايَةِ يَكونُ مآلُ البَشرِ أفضَلَ حتَّى المَلائِكَةُ عَملُهم في يومِ القِيامَةِ أنَّهم يَدخُلون عليهِمْ مِن كُلِّ بابٍ يُهَنَّئونَهم يَقولُون: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ} [الرعد: ٢٤] ولا يَنالون مِنَ النَّعيمِ مِثلَما يَنالُه المُؤمنونَ.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: أنَّ للمَلائِكَةِ إِرَادةً، يُؤخَذُ مِن {يُسَبِّحُونَ لَهُ} ولا تَسبيحَ إلَّا بإِرادَةٍ. ومِن هُنا نَقفِزُ إلى فائدَةٍ ثانيَةٍ:

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: وهي أنَّ جَميعَ المَخلوقاتِ مِن الأشجارِ والأحجارِ والأنهارِ والشَّمسِ والقمرِ والسَّماءِ والأرضِ لها إِرادَةٌ؛ لأنَّها كُلَّها تُسبِّحُ اللهَ: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: ٤٤].

وبهذا نَرُدُّ على الَّذين قالوا: إنَّ قَولَه تَعالى: {يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف: ٧٧] يعني: الجِدارَ، هذا مَجازٌ؛ لأنَّ الجِدارَ ليس له إِرادَةٌ، فيُقالُ: مَن قال لكم إِنَّه ليس له إِرادَةٌ؟ بل له إرادَةٌ، ومَيلُه يَدُلُّ على أنَّه أرادَ، ولقد قال النَّبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ في أُحُدٍ: "إنَّه يُحبُّنا ونُحبُّه" (١)، والمَحبَّةُ أخصُّ مِنَ الإِرادَةِ وأثبَتَها الرَّسولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ للجَبَلِ.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: أنَّ بَعضَ أهلِ العِلمِ استَدَلَّ بها على عُلوِّ اللهِ، وأنَّ الأشياءَ ليست كُلُّها سَواءً بالنِّسبَةِ للقُربِ منه؛ لقَولِه: {فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ}، والعِندِيَّةُ تَقتَضي القُربَ، وأنَّ بعضَ المَخلوقاتِ إلى اللهِ أَقرَبُ مِن بعضٍ، وهذا لا إِشكالَ فيه، مَن يَقولُ: إنَّ مَن كان في الأرضِ السَّابعَةِ السُّفلى هو في القُربِ إلى اللهِ كالَّذي في السَّماءِ السَّابعَةِ لا أحدَ يَقولُ بهذا.

أمَّا مِن جِهةِ الإِحاطَةِ بالخَلقِ فلا شَكَّ أنَّ القَريبَ والبَعيدَ عِندَ اللهِ على حدٍّ


(١) أخرجه البخاري: كتاب الجهاد، باب فضل الخدمة في الغزو، رقم (٢٨٨٩)، ومسلم: كتاب الحج، باب أحد جبل يحبنا ونحبه، رقم (١٣٩٣)، من حديث أنس - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>