للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولهذا لما قال ابنُ فَورَكٍ لمَحمودَ بنِ سُبُكْتِكِين رَحِمَهُ اللهُ: إنِّي لا أقولُ: إنَّ اللهَ فَوقَ العالَمِ ولا تَحتَ إلى آخرِه، قال: بيِّنْ لنا الفَرقَ بين وُجودِ رَبِّك وعَدمِه أو كَلِمَةً نحوَها (١) يَعني: مَعناه أنَّك إذا وَصَفتَ الله بهذه الأوصافِ فهذا هو العَدمُ تمامًا.

وتَقريرُ أنَّ اللهَ تَعالى في السَّماءِ يَعني: العُلوَّ الذَّاتيَّ أمرٌ لا إِشكالَ فيه، والعَجَبُ أنَّك تَأتي العَجوزَ الَّتي لم تَدرُسْ ولم تَفهَمْ ولم تَعلَمْ وتَسألهُا أين اللهُ؟ تَقولُ في السَّماءِ، إلَّا إذا كان الأمرُ كما قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أبواه يُهوِّدانِه أو يُنصِّرانِه أو يُمجِّسانِه" (٢) أي: إلَّا إذا كانت عائشَةُ بين قومٍ يُنكِرونَ العُلوَّ فرُبَّما تُنكِرُ بِناءً على أنَّ البِيئَةَ تُغيِّرُ، أمَّا لو أتينا إلى الإنسانِ مِن حيثُ الفِطرةُ لرأينا أنَّه لا يشكُّ في أنَّ اللهَ في السَّماءِ.

ولذلك أَفْحَمَ الهَمَذانيُّ رَحِمَهُ اللهُ أبا المَعالي الجُوَينيَّ حين كان أبو المَعالي الجُوينيُّ يُنكرُ استِواءَ اللهِ على العَرشِ ويَقولُ: إنَّ اللهَ تَعالى كانَ ولا عَرشَ.

وهو الآنَ على ما كان عليه يُريدُ أن يُنكِرَ استواءَه على العَرشِ، واستواءُ اللهِ على العَرشِ دَليلُه سَمعيٌّ، يَعني: لولا أنَّ اللهَ أخبَرَنا أنَّه استَوى على العَرشِ ما عَلِمنا بخِلافِ العُلوِّ، فالعُلوُّ دَليلُه عَقِليٌّ وسَمْعيٌّ وفِطرِيٌّ، أمَّا هذا فدَليلُه سَمعِيٌّ.

قال له الهَمَذانيُّ رَحِمَهُ اللهُ: يا شَيخُ دَعْنا مِن ذِكرِ العَرشِ، وأَخْبرنا عن هذه الضَّرورَةِ، فما قال عارفٌ قطُّ: يا أللهُ إلَّا وَجَدَ من قلبه ضَرورَةً بطَلَبِ العُلوِّ، صَحيحٌ هذا أم لا؟


(١) انظر: درء تعارض العقل والنقل (٦/ ٢٥٣).
(٢) أخرجه البخاري: كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه، رقم (١٣٥٨)، ومسلم: كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة، رقم (٢٦٥٨) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>