للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذَكَرَ الجَلالُ السُّيوطِيُّ -غَفَر اللهُ لنا وله- في سورَةِ المائدَةِ كلامًا مُنْكَرًا قال: [وخصَّ العقلَ ذاتَه فليس عليها بقادِرٍ]. يعني: كأنَّه يَقولُ على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ إلَّا على ذاتِه فليس عليها قادرًا، وهذا لا شكَّ أنَّه قَولٌ مُنكَرٌ، كأنَّه يَقولُ مثلًا هل يَقدِرُ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - على أن يُفنِيَ نفسَه على كَلامِه؟

فنَقولُ: هذا قَولٌ ساقطٌ؛ لأنَّ القُدرَةَ إنَّما تَتعلَّقُ بالشَّيءِ المُمكِنِ أمَّا الشَّيءُ المُستحيلُ فهو مُستحيل وليس مُستَحيلًا على قُدرتِنا، لا، المُستَحيلُ على قُدرتِنا غَيرُ المُستَحيلِ على قُدرةِ اللهِ، لكنَّ المُستَحيلَ لذاتِه فإنَّه لا يُمكنُ أن تتعلَّقَ به قُدرةٌ ولا غَيرُ قدرةٍ إلَّا العِلمَ؛ ولهذا قال السَّفارينيُّ في العَقيدَةِ (١):

.................. ... ... واقتَدَرْ

بقُدرةٍ تعلَّقت بمُمكِنٍ ... .....................

فيُقالُ للجَلالِ عَفا اللهُ عنَّا وعنه: إن أَردتَ أنَّ اللهَ ليس بقادِرٍ على أن يُفنِيَ نفسَه فهذا أمرٌ غيرُ واردٍ إطلاقًا؛ لأنَّ القُدرَةَ لا تُعلَّقُ بهذا، وإن أَردتَ أنَّه غَيرُ قادرٍ على أن يَنزِلَ إلى السَّماءِ الدُّنيا، وأن يَأتيَ للفَصلِ بَينَ عِبادِه، وأن يَستوِيَ على عَرشِه ونحو ذلك مِنَ الأفعالِ الاختِيارِيِّةِ، فهذا كَذبٌ بل هو قادرٌ على ذلك، لكنَّ السُّيوطيُّ عفا اللهُ عنَّا وعنه ممَّن يَرونَ أنَّ الأفعالَ الاختِيارِيَّةَ لا تَقومُ باللهِ، يَعني: يَقولُ: اللهُ ما يُمكنُ يَنزِلُ ولا يَستَوِي ولا يَأتي يَومَ القيامَةِ؛ لأنَّ هذه على زَعمِه حَوادثُ والحَوادثُ لا تَتعلَّقُ إلَّا بحادِثٍ.

على كُلِّ حالٍ: هذه فَلسفَةٌ جاءَ بها أهلُ الكَلامِ، وما أكثرَ ما جاؤوا به مِنَ الكَلامِ، وكَلامُهم كَلامٌ في كَلامٍ، لا فائدَةَ، تَطويلٌ بلا فائدَةٍ، إِضاعَةُ الوَقتِ


(١) العقيدة السفارينية (ص: ٥٢).

<<  <   >  >>