للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: ٢٥] هذا سَمعيٌّ، والدَّليلُ العَقليُّ: أتَّنا قُلنا الإلحادُ في اللُّغةِ هو المَيلُ، والعاصي المُخالفُ للأوامِرِ مائلٌ بلا شَكٍّ.

هَؤلاءِ الَّذين يُلحِدون في هذا أو في هذا، يَقولُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا} هذه صِفَةُ نَفيٍ {لَا يَخْفَوْنَ} نَفَى اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- أن يَخفى عليه هَؤلاءِ؛ لِكمالِ عِلمِه.

واعلمْ أنَّه لا يُمكنُ أن يوجَدُ في صِفاتِ اللهِ نَفيٌ محَضٌ، بل كُلُّ ما نَفى اللهُ عن نَفسِه فهو مُتَضَمِّنٌ للكَمالِ والإثباتِ، وهذه ضَعْها قاعد عندَك لا تُفرِّطُ بها: لا يوجَدُ في صِفاتِ اللهِ نَفي محضٌ، بل كُلُّ ما نَفى اللهُ عن نَفسِه فإنَّه مُتضَمِّنٌ لكَمالِ، فمثلًا {لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا} لماذا؟ لكَمالِ عِلمِه؛ لأنَّ اللهَ تَعالى كامِلُ العِلمِ محُيطٌ بكُلِّ شيءٍ: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف: ٨٠].

إذن {لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا} أي: لا تَخفى عَلينا حالُهم ولا أعيانُهم لكَمالِ عِلمِه، والمُرادُ بهذه الجُملَةِ التَّهديدُ، كما تَقولُ لابنِك: يا بُنيَّ اذهبْ لما شِئتَ فإنَّه لا يَخفى عَلَيَّ فِعلُك. فالمُرادُ بها التَّهديدُ وهي في غايَةِ التَّهديدِ؛ لأنَّه إذا قال اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ -: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا} فسوف تَرتَعِدُ الفَرائصُ من هذا الوعيدِ.

يَقولُ المُفسِّرُ رَحِمَهُ اللهُ: [{فِي آيَاتِنَا} القُرآنِ بالتَّكذيبِ {لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا} فنُجازيهم].

في تَفسيرِ المفسِّر قُصورٌ:

أَوَّلًا: أنَّه جَعلَ الآياتِ هُنا الآياتِ الشَّرعيَّةَ وهذا غَلطٌ، فالآياتُ أعمُّ.

ثانيًا: أنَّه لم يَجعلِ الإلحادَ في الآياتِ الشَّرعيَّةِ إلَّا بنَوعٍ واحدٍ منَ الإلحادِ وهو التَكذيبُ، وقد قُلنا: إنَّ الإلحادَ فيها يَكونُ بواحدٍ من ثَلاثةِ أُمورٍ؛ إمَّا التَّكذيبُ

<<  <   >  >>