للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أو التَّحريفُ أو المُخالفةُ.

ولم نَتَكلَّمْ على الإلحادِ في الأسماءِ؛ لأنَّه ليس في الآيَةِ، لكن إتمامًا للفائدَةِ نَقولُ: الإلحادُ يَكونُ في أسماءِ اللهِ، وهو المَيلُ بها عمَّا يَجبُ؛ وذلك أوَّلًا أن يُسمِّيَ اللهَ تَعالى بما لم يُسَمِّ به نَفسَه كتَسمِيَةِ الفَلاسِفَةِ له: عِلَّةٌ فاعلَةٌ. يَقولون: إنَّ اللهَ هو العِلَّةُ الفاعِلَةُ لهذا الكَونِ، وتَسميَةُ النَّصارى إيَّاه أبًا يُسمُّونَه الأبَ والابنَ والرُّوحَ القُدُسَ.

الثَّاني: أن يُنكِرَ شَيئًا منَ الأسماءِ، أو مِمَّا دَلَّت عليه وهذا عَكسُ الأَوَّلِ، الأَوَّلُ سَمَّى اللهُ بما لم يُسَمِّ به نَفسَه، والثَّاني أنكَرَ ما سَمَّى اللهُ به نَفسَه إمَّا إنكارًا كُلِّيًّا وإمَّا إنكارًا جُزئيًّا، أو يُنكِرُ ما تَضمَّنَته الأسماءُ مِنَ المَعاني والصِّفاتِ، فيُنكِرُ الأسماءَ أو بَعضَها أو ما دَلَّت عليه مِنَ المَعاني والصِّفاتِ، فمثلًا الَّذين يَقولون: إنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ليس لَه أسماءٌ ولا صِفاتٌ كغُلاةِ المُعتزلَةِ والجَهميَّةِ، هؤلاءِ مُلحِدونَ، والَّذين يَقولونَ له أسماءٌ لكن ليس لها مَعانٍ هَؤلاءِ أيضًا مُلحِدون كما هو المَشهورُ مِن مَذهَبِ المُعتزِلَةِ، والَّذين يُنكِرون بَعضَ الصِّفاتِ كالأشاعِرَةِ هم أيضًا مُلحِدونَ فيَقولون مَثلًا: إنَّ اللهَ لا يَثبُتُ له مِنَ الصِّفاتِ إلَّا سَبعُ صِفاتٍ، زَعَموا أنَّ العَقلَ دَلَّ عليها وأنَّ البَاقيَ لا يَدُلُّ عليه العَقلُ، وقد تَكلَّمنا على هذا كثيرًا ولا حاجَةَ لإعادتِهِ.

الثَّالثُ: أن يُشتَقَّ من أسمائِه أسمائِه للأصنامِ، ومنه اشتِقاقُ اللَّاتِ مِنَ الإلَهِ والعُزَّى مِنَ العَزيزِ ومَناةَ من المَنَّانِ، هذا أيضًا مِن الإلحادِ في أسماءِ اللهِ.

كُلُّ الإلحادِ هذا وغَيرُه في أسماءِ اللهِ قد تَوعَّدَ اللهُ مَن سَلَكَه في قَولِه: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.

قال اللهُ تعالى: {أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} استِفهامٌ مِنَ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - والجَوابُ لا شكَّ أنَّه الثَّاني.

<<  <   >  >>