للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيه سِعةَ الصَّدرِ والانشِراحِ، والأنسَبُ للشَّرِّ الظُّلمَةُ، قالوا: إذن جَميعُ ما يَحصُلُ في الكَونِ له خالِقانِ ظُلمَةٌ ونورٌ، الظُّلمةُ تَخلُقُ الشَّرَّ والنُّورُ يَخلُقُ الخيرَ، وفي هذا يَقولُ المُتنبِّي في مَمدوحِه (١):

وكلم لظَلامِ اللَّيلِ عِندَك من يدٍ ... تُحدِّثُ أنَّ المانَويَّةَ تَكذِبُ

(كم) للتَّكثيرِ (كم لِظَلامِ اللَّيلِ عِندَك من يدٍ) أي: مِن نِعمَةٍ، (تُحدِّثُ أنَّ المانَويَّةَ) وهم فِرقَةٌ مِنَ المَجوسِ (تَكذِبُ)؛ لأنَّ المانويَّةَ تَقولُ: الظُّلمَةُ تَخلُقُ الشَّرَّ والنَّعم خيرٌ، فيَقولُ لمَمدوحِه: أنت تَجودُ ليلًا ونهارًا ممَّا يُكَذِّبُ المانويَّةَ الَّذين يَقولونَ: إنَّ الظُّلمةَ تَخلُقُ الشَّرَّ.

ونحن نَقولُ: إنَّ الجبرَّيةَ قوبِلت بِدعتُهم ببِدعةٍ؛ واعلمْ أنَّ البدعةَ لا يُمكنُ أن تُقَاوَمَ ببدعة؛ لأنَّك إذا ابْتَدَعتَ ادَّعَوا عَليك، ومنْ ذلك ما يَفعلُه بعضُ النَّاس في يومِ عاشوراءَ، فَيومُ عاشوراءَ عند الرَّافضةِ يومُ حزنٍ وبَلاءٍ فجاءَ أُناسٌ مِن أهلِ السُّنَّةِ قالوا: إِذنْ نَجعلَه يومَ فَرحٍ وسُرورٍ، وأنَّه يَنبغي أنْ نَتزيَّنَ ونَتجمَّلَ ونُوسِّعَ على العِيال، ضدَّ الحُزنِ، لكن هل هَذا صَحِيحٌ؟ لا؛ لأنَّا إذا فَعَلْنا هَذا قالتِ الرَّافضةُ: ما دَلِيلُكُمْ على هَذا؟ فلا يُمكِنُ أن تُقابَلَ البِدعةُ بالبدعَةِ أبدًا، لا تُقابَلُ إلَّا بالسُّنَّةِ.

مسألة: وَجدنَا ما يُسَمَّى الآنَ بالتَّمثيلِ السَّاقطِ، فَالبعضُ دعا إلى التَّمثيلِ الهادفِ، هل هَذا مُقابَلةُ بِدْعةٍ بِبِدعةٍ؟

فالجوابُ: هذا التَّمثيلُ ليس هو بِدعة في حَدِّ ذاتِها، التَّمثيلُ تَقريبُ المَعاني بصورتِهَا الفِعليَّةِ، وقد وَرَدَ التَّمثيلُ في الحديثِ الصَّحيحِ في قصَّةِ المَلَكِ الَّذي جاءَ


(١) البيت للمتنبي، انظر: ديوانه (ص: ٤٦٦).

<<  <   >  >>