للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى الأَقرعِ والأَبرصِ والأعمى بِصورَتِه الَّتي عليها (١) وقالَ: إِنَّهُ مسكينٌ وابنُ سبيلٍ، ولا أَبرصَ ولا أَقرعَ ولا أَعمَى، لكنَّ هذا للتَّقريبِ، إِنَّما المُبالغةُ في التَّمثيلِ بحيثُ لا نَدْعو النَّاسَ إِلَّا بِه، هَذَا هو الخطأُ.

فنَقولُ: الدَّعوةُ إِلَى اللهِ تَعالى لَها وَسائلُ، كُلُّ ما يَكونُ فيه تَصويرُ الواقعِ والتَّحذيرُ منه بِدونِ أن يَشتملَ على كَذِبٍ أو محُاكاةِ البَهائمِ أو محُاكاةِ الرَّجُلِ المَرأةَ أو بالعكسِ، فَلا مانِعَ، فنَحنُ لا نُنكِرُ التَّمثيلَ مُطلقًا ولا نُحَبِّذُه، ونُنكِرُ أن يَكونَ هوَ الوَسيلةَ إلى الدَّعوةِ إلى اللهِ، لِأَنَّكَ إذا عَوَّدتَ النَّاسَ على أنَّك لا تَدعُوهم إلى اللهِ إِلَّا بِهَذه الوَسيلَةِ نَسوا الأَهَمَّ وهو مَوعِظةُ القُرآنِ والسُّنَّةِ.

نحنُ نُقابلُ الجبرَيَّةَ الَّذينَ يُنكِرونَ مَشيئَةَ العبدِ بِدَلالةِ الكِتاب والسُّنَّةِ أنَّ لِلإنسانِ مَشيئَةً، ونُقابلُ القَدَريَّةَ بأنَّ اللهَ تَعالَى له مُلكُ السَّمَواتِ والأَرضِ: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: ٣٠].

إذن أَنا إذا شِئتُ شَيئًا وفَعَلتُهُ أَقولُ: إنَّ اللهَ شَاءَ ذلكَ قَبْلَ أن أَشاءَه، لا يُمكِنُ أن أَشاءَ شَيئًا وأَفْعلَه دونَ أنْ يَكونَ اللهُ شَاءَه أبدًا.

فَإذَا قَالَ قَائِلٌ: أَنتَ إِذَا قُلتَ هَذَا، وأَنَّ مَشيئَتَك بَعْدَ مَشيئَةِ اللهِ وتَابعَةٌ لِمَشيئَةِ اللهِ لَزِمَ على ذَلكَ أن يَحْتَجَّ العَاصِي عَلينَا بِقَدَرِ اللهِ ومَشيئَتِه. العاصي يَشاءُ المَعصيَةَ وَيفعَلُ المَعصيةَ. قُلنَا له: لمِاذَا؟ قَالَ: لأنَّ اللهَ شَاءَ ذلك، أَنتم تَقُولُونَ: إِنَّه ما مِنْ مَشيئَةٍ لِلعبدِ إِلَّا وَهي مَسبُوقَةٌ بمَشيئَةِ اللهِ: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}، أَنا ماذا أَفعلُ! شَاءَ اللهُ أن أَفْعلَ فَفَعلتُ، كيف تَلومونَني على أَمرٍ كَتبَه اللهُ عَلَيَّ وشَاءَهُ عَلَيَّ؟


(١) أخرجه البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب حديث أبرص وأعمى وأقرع في بني إسرائيل، رقم (٣٤٦٤)، ومسلم: كتاب الزهد والرقائق، رقم (٢٩٦٤)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>