للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نَقوُل قَبْلَ كُلِّ شَيءٍ: مَن أَعْلَمَكَ أنَّ اللهَ شَاءَ ذلكَ؟ هل أَحدٌ يَعْلمُ أنَّ اللهَ شَاءَ الشَّيءَ إِلَّا بَعدَ وقوعِهِ؟ لا يَعلَمُ ذلك أَحَدٌ: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} [لقمان: ٣٤]. أَنا مَثلاً عِندمَا أَقومُ وأُصلِّي، أَعْلمُ أَنَّني عِندَما شِئتُ الصَّلاةَ وفَعَلتُ فَقدْ شاءَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- مِنْ قَيْلي، لكن قَبْلَ أن أُصَلِّيَ هل أَعْلمُ أنَّ اللهَ شَاءَ أَنْ أُصَلِّيَ أم لا؟ الجَوابُ: لَا، فالعاصي حينَ يَفعلُ المَعْصيةَ هل يَعلَمُ أنَّ اللهَ شاءَ له أَنْ يَفْعلَ المَعصيةَ قَبْلَ أن يَفعلَها؟ لَا، إِذن لَا حُجَّةَ له، وما أَحْسَنَ مَا قال بَعضُ العُلماءِ: "إِنَّ القَدَرَ سِرٌّ مَكتومٌ لا يُعلَمُ إلَّا بَعْدَ وقوعِ المَقدورِ" وهوَ كذلِكَ، هذا جَوابٌ مُفحِمٌ، لا يُمكِنُ أن يَتخطَّاه المُجرِمُ قِيدَ أُنمُلَةٍ.

ثم نَقوُل له: أَلَستَ الآنَ إذا كان أَمَامكَ نارٌ محُرِقَةٌ أو أَوديةٌ مُغرِقةٌ، أَلَستَ تُحجِمُ عنها ولا تُقدِمُ عليها؟ فإن قيلَ: بَلَى، قُلْنَا: فلماذا لا تُقدِمُ وتُلْقي نَفسَكَ بالنَّارِ وتَقولُ: هَذِه مَشيئَةُ اللهِ؟ لا يُمكِنُ أن يُقْدِمَ لا على أَوْديةٍ مُغرِقةٍ ولَا على نَارٍ محُرِقةٍ، ويَدَّعي أنَّ ذلك مَشيئَةُ اللهِ، فلِماذا لم تَتجنَّبِ المعاصيَ الَّتي عَلِمتَ بِوَعدِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - أو وَعيدِه أَنَّها سببٌ لِدُخولِ النَّارِ؟ هذا نُخاطبُه عندَما نُريدُ منه أن يَجتنِبَ المَعاصيَ.

وأمَّا عندما نُريدُ مِنْه أَنْ يَفعلَ الطَّاعاتِ نَقولُ: نَزَلَ في الصُّحُفِ مُسابقةٌ على وَظيفتَينِ؛ إِحداهُمَا عَشَرةُ آلَافِ رِيالٍ في الشَّهرِ، والثَّانيَةُ عَشَرَةُ رِيالاتٍ في الشَّهْرِ إلى أَينَ يَذْهبُ؟ هل يَذْهبُ إِلَى عَشَرَةٍ ويَقولُ هذا تَقديرُ اللهِ؟ أَلَستَ تَذهبُ لِلْعَشَرةِ آلَافٍ تُريدُ هَذَا الرَّاتبَ الجيِّدَ؟

فإنَّ العملَ الصَّالِحَ عُرِضَ عَليكَ بأنَّ جَزاءَ الحَسنةِ بِعَشَرةِ أمثالهِا إلى سَبع مئةِ ضِعْفٍ، لمِاذا لا تُقدِمُ عليها كَما كُنتَ تُقدِمُ على ما تَراه حظًّا لَك في الدُّنيَا، فَلماذا لَا تُقدِمُ على ما تَراه حظًّا لَكَ في عَملِ الآخرَةِ؟ وبهذا تَنقطعُ حُجَّةُ الظَّالمِ سَواءٌ ظَلَمَ

<<  <   >  >>