للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بفعلِ المُحرَّماتِ، أو بتَرْكِ الواجباتِ.

وقد تَعرَّضْنا لِهَذا وإِنْ كان لَيسَ من خَصائصِ عِلْمِ التَّفْسيرِ؛ لِأنَّ هذا مِنْ عِلْمِ العَقيدةِ، المُهِمُّ رُبَّما يُشَوِّشُ على الإنسانِ مِثْلُ هذهِ الإراداتِ مِنَ الجَبرَيَّةِ أو مِنَ القَدَرَيَّةِ، فنَقولُ بِما تقدَّم، والأمرُ والحمدُ للهِ واضحٌ حتَّى إنَّ الرَّسولَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَلَّ هذه المُشكلةَ بكَلِمتَينِ فقط، قال عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وهو على شَفيرِ قَبْرٍ لِإحدَى بَناتِه قال: "ما مِنكُم مِن أَحدٍ إلَّا وقد كُتِبَ مَقعدُهُ مِنَ الجَنَّةِ ومَقعدُهُ مِنَ النَّارِ، قَالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفلا نَدعُ العَمَلَ ونَتَّكِلُ على الكِتَابِ؟ "، هذا اعتِراضٌ لكنَّه اعتراضٌ في بادئِ الأَمْرِ كما قَالَ تَعالَى: {بَادِيَ الرَّأْيِ} ما دامَ الشَّيءُ مَكتوبًا فَلا حاجَةَ لِلعَمَلِ، هذا مَكْتوبٌ لهُ السَّعادةُ فلْيَنَمْ؛ لأنَّه من أَهْلِ السَّعادةِ، وهذا مِنْ أَهْلِ الشَّقاوَةِ فَلا يَعْملُ؛ لأنَّه مِن أَهْلِ الشَّقاوَةِ، فَلا حاجَةَ أنْ يَعمَلَ! ؟ فقال النَّبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَلِمَتَينِ: "اعْمَلوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ لَهُ" (١). سُبْحانَ اللهِ لم يَأْتِ بِفَلسفَةٍ وتَطويلٍ بل كَلِمتَينِ: "اعمَلوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ له"، هذا الَّذي مِنْ قِبَلِنا - أنْ نَعمَلَ- ثُمَّ كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ له.

فإذا وَجَدتَ مِن نَفْسِكَ أنَّ اللهَ يَسَّرَ لكَ الخَيرَ والهُدَى والنَّشاطَ على العِبادةِ، فاعْلَمْ أنَّكَ مِمَّن كُتِبَ من أَهلِ السَّعادةِ لِقَولِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَّا أهلُ السَّعادةِ فيُيَسَّرونَ لِعَمَلِ أهلِ السَّعَادةِ، وأمَّا أهلُ الشَّقاوَةِ فيُيَسَّرونَ لِعَمَلِ أَهلِ الشَّقاوَةِ".

فَالأَمرُ -والحَمدُ لله- واضِحٌ جِدًّا أَنَّه لا حُجَّةَ للعاصي بالقَدَرِ على مَعصيِتِه ولَا لِلمُتَهاونِ بِالواجِبِ بالقَدَرِ على تَهاوُيه، فالأمرُ أَوضَحُ مِن أن يَحتاجَ إلى كَثيرِ كَلامٍ.


(١) أخرجه البخاري: كتاب التفسير، باب قوله تعالى: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}، رقم (٤٩٤٩)، وأخرجه مسلم: كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه، رقم (٢٦٤٧)، من حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>