للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بَقِيَ عَلينا أن يُقالَ: أَلَيسَ آدَمُ قَدِ احتَجَّ بالقَدَرِ؟ أَوَلَيسَ اللهُ تَعالَى قد احتجَّ بالقَدَرِ فقال لرسولِه: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا} فما هو الجَوابُ؟ الجَوابُ أن يُقالَ: أمَّا قولُه تَعالَى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [الأنعام: ١٠٧]، فهَذا تَسليةٌ للرَّسولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، حيثُ قال اللهُ له: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا}، فشِرْكُهمْ بمَشيئَةِ اللهِ، ومَعلُومٌ أنَّ الرَّسُولَ عَلَيْهَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سوف يَرْضَى بقَضاءِ اللهِ، ولِهَذا يَجِبُ عَلينا أن نَنظُرَ إلى أهلِ المَعاصي بنَظرينِ؛ نَظرٍ قَدَريٍّ ونَظرٍ شَرعيٍّ.

النَّظرُ القَدَريُّ أنْ نَرضى بِما وَقَعَ مِن مَعاصيهم؛ لأنَّه بتَقديرِ اللهِ، والنَّظرُ الشَّرعيُّ أن نُلْزِمَهم بشَرعِ اللهِ، فنُقيمُ عليهمُ الحُدودَ والتَّعْزيراتِ، وغَيرَ ذلك مِمَّا يَحمِلُهُم على فِعلِ الطًّاعاتِ وتَرْكِ المُحرَّماتِ، فانْتبِهوا يا إِخوانُ، هذه المسائِلُ مُهمَّةٌ جدًا.

إذن نَقولُ: إنَّ قولَهُ تَعالَى للرَّسولِ: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا}، الغَرضُ منه تَسليةُ الرَّسولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؛ لأنَّه إذا عَلِمَ أنَّ ذلك بمَشيئةِ اللهِ رَضِيَ، ولكنَّ اللهَ تَعالَى أَبطلَ هذه الدَّعوَى منهم بقولِهِ: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا} [الأنعام: ١٤٨] بعُقوبَةِ اللهِ، أَبطلَ اللهُ هذه الحُجَّةَ؛ لأنَّهم أَرادوا بذلك إِبطالَ الشَّرْعِ بالقَدَرِ، فبَيَّنَ اللهُ تَعالَى أنَّه عذَّبَهم.

وأمَّا آدمُ لمَّا احتَجَّ عليه موسى وقالَ له: خَيَّبْتَنا أَخْرَجتَنا ونَفْسَكَ مِنَ الجنَّةِ - بمَعصيتِه بأَكْله مِنَ الشَّجرةِ - فقال له آدَمُ: أتَلومُني على شيءٍ كَتبَه اللهُ عَلَيَّ قَبْلَ أن يَخلُقَني بأربعينَ سَنَةً؟ قال النَّبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "فَحَجَّه آدَمُ" (١). وفي رِوايةٍ:


(١) أخرجه الإمام أحمد (٢/ ٢٦٨)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>