للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"فحَجَّ آدَمُ موسى" (١)، ومعنى حَجَّه؛ أي: غَلَبَه في الحُجَّةِ.

فإِنْ قال قائِلٌ: في احتِجاجِ آدَمَ على موسى وأنَّهُ قال: "كيف تَلومُني على شيءٍ قد كَتَبهُ اللهُ عَلَيَّ قَبلَ أن أُخْلَقَ بأربعينَ سَنةً"، ألا يَدُلُّ على أنَّ آدَمَ خُلِقَ قَبْلَ خَلْقِ القَلَمِ بأربَعينَ سَنةً؟

فالجوابُ: لا، هو يَقولُ: كُتِبَ عليه قَبلَ أن يُخْلَقَ، أي مَكتوبٌ قَبلَ خَلْقِ آدَمَ، فآدَمُ خُلِقَ بَعدَ أن كُتِبَ عليه بأربَعينَ سَنَةً، لكن كيف نَجْمعُ بَينَ قولِه بأربَعينَ سَنةً، وبَينَ أنَّ اللهَ تَعالَى خَلَقَ القَلمَ، وقال له: اكْتُبْ، قَبلَ أن يَخلُقَ السَّمَواتِ بخَمسينَ أَلْفَ سَنَةٍ، يُقالُ: إذا صَحَّتِ الكَلمةُ هَذهِ وكانت محَفوظةً، فإنَّ هذه كتابَةٌ أُخْرَى خَاصَةٌ بآدَمَ.

فاحتجَّ آدَمُ بالقَدَرِ الَّذي كُتِبَ عليه قَبْل أن يُخْلَقَ وخَصَمَ موسى. هَذا الحَديثُ يَحتجُّ به أَهلُ المَعاصي على مَعاصيهم ويَقولونَ: إِنَّ آدَمَ احْتجَّ بالقَدَرِ على موسى وحَكَمَ النَّبيُّ - صَلواتُ اللهِ وسَلامهُ عَليهِ - لآدَمَ وقال: إِنَّهُ حَجَّه، فنحنُ نحتَجُّ بالقَدَر كما احْتجَّ أَبونا، نُجيبُ عَن هَذَا بجَوابَينِ:

الجوابُ الأوَّلُ مِن شيخِ الإِسلامِ ابنِ تَيْميَّةَ (٢) رَحِمَهُ اللهُ قال: إنَّ آدمَ لم يَحتجَّ بالقَدَرِ على المَعصيَةِ، وإنَّما احْتجَّ بالقَدَرِ على الخُروجِ مِنَ الجنَّةِ، أَمَّا المَعصيَةُ فَقدِ اعْتذَرَ منها آدَمُ وقالَ: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: ٢٣]، {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} [البقرة: ٣٧]، فآدمُ لا يُمكنُ أن يَحتجَّ بالقَدَرِ على المَعصيَةِ


(١) أخرجه البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب وفاة موسى وذكره بعد، رقم (٣٤٠٩)، ومسلم: كتاب القدر، باب حجاج آدم وموسى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، رقم (٢٦٥٢)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢) انظر: مجموع الفتاوى (٨/ ٣٠٣).

<<  <   >  >>