للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عِلمٌ ونورٌ، {وَشِفَاءٌ}. يَقولُ المفسِّر - رَحِمَهُ اللهُ -: [مِنَ الجَهلِ] وهَذا فيه نَظرٌ؛ لأَنَّ مِنَ الجَهلِ داخلٌ في قَولِه: {هُدًى}، إِذْ إِنَّ الهُدى هو العلمُ وَضِدُّه الجَهلُ، لَكن {شِفَاءٌ} يَعني: مِن المَرَض مَرَضِ القُلوبِ، كَما قَالَ تَعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} [يونس: ٥٧]، فالصَّوابُ أَنَّ قَولَه: {هُدًى} مِن الضَّلالةِ وهي الجهلُ، فَهو هُدًى مِن الجَهلِ، وَالضَّلالةُ شِفاءٌ مِنَ المَرضِ مَرَضِ القُلوبِ، بَلْ هو أيضًا شِفاءٌ مِن مَرَضِ الأبدانِ، فَإنَّ القُرآنَ يُستَشفَى بِه في أَمراضِ القُلوبِ، ويُستَشفَى بِه كَذلكَ في أَمراضِ الأَبدانِ، وكَمْ مِن إنسانٍ مَريضٍ مَرضًا بَدَنيًّا شَفاه اللهُ تَعالى بِالقُرآنِ.

وقِصَّةُ اللَّديغِ - المَشهورةُ - الَّذي كَانَ سَيِّدَ قَومِه، ونَزَلَ به سَرِيَّةٌ مِنَ الصَّحابةِ ولَمْ يُضيِّفوهُم، فَسَخَّر اللهُ تَعالى عَقربًا كَبيرةً شَديدةً فلَدَغتْ سَيِّدَهمْ فطَلَبوا راقيًا مِنَ الصَّحابةِ، فَقالوا: لا نَرْقي لَكُمْ إِلَّا بكَذا وكَذا مِنَ الغَنَمِ فَأَعْطَوهم، فذَهَبَ أحَدُهم يَقرأُ عَليهِ سورةَ الفاتحةِ حَتَّى قَام كَأنَّما نُشِطَ مِنْ عِقالٍ، لَكنَّهمْ تَربَّصُوا فِي الغنمِ الَّتي أَخَذوها خافوا أَلَّا تَكونَ حِلًّا لَهمْ حَتَّى أَتَوُا النَّبيَّ - صلَّى اللهُ عليهِ وعَلى آلِه وسلَّم - فَسألوهُ فَقالَ: "خُذوا وَاضْرِبوا لِي مَعكُمْ بِسَهمٍ" (١)، قَالَ ذَلكَ لا حاجةَ إِلَى اللَّحمِ ولَكن تَطييبًا لِقُلوبِهم وَاطْمِئنانًا لِنُفوسِهم؛ لِيَتبيَّنوا أَنَّه حَلالٌ حَلالٌ لا إِشكالَ فيهِ.

الشَّاهدُ: أَنَّهم أَخبَروا النَّبيَّ - صلَّى اللهُ عليه وعَلى آلِه وسلَّم - أَنَّهم قَرَؤوا عَلى هَذا اللَّديغِ الفاتِحةَ فَقالَ: "وَما يُدْريكَ أَنَّها رُقْيَةٌ"، فَتَبيَّنَ بِهَذا أَنَّ القُرآنَ شفاءٌ مِن


(١) أخرجه البخاري: كتاب الإجارة، باب ما يعطى في الرقية، رقم (٢٢٧٦)، ومسلم: كتاب السلام، باب جواز أخذ الأجرة على الرقية، رقم (٢٢٠١)، من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>