للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَإنْ قال قائلٌ: هَلْ لهِذا القَيدِ مَفهومٌ أو هو لِبيانِ الواقعِ: {فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا}؟

فَالجوابُ: لِبيانِ الواقعِ لَيس له مفهومٌ لِأنَّك لو جَعلْتَ له مَفهومًا لكانَ المؤمنونَ لا يُنبَّؤونَ بما عَمِلوا مَع أَنَّهم يُنبَّؤونَ، قال اللهُ تَعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧)} [الزلزلة: ٧].

وَثَبَتَ عَنِ النَّبيِّ - صلَّى اللهُ عَليه وعَلَي آله وسلَّم- أنَّ اللهَ يَخلو بعبدِه المُؤمنِ فَيمَرِّره بِذنوبِه عَمِلْتَ كذا فِي يَومِ كذا (١).

إذن: تَقييدُ الإِنباءِ بِالكافِرِ لبَيانِ الواقعِ يَعني: أَنَّ هَؤلاء الَّذين كَذَّبوا واقعُهم أَنَّهم سَيُنبَّؤونَ بِما عَمِلوا.

الْفَائِدَةُ الثَّامِنةُ: أَنَّ كُلَّ شيءٍ مُقيَّدٌ محفوظٌ علي الإنسانِ، نَأخذُه مِن قَولِهِ: {بِمَا عَمِلُوا} فَإنَّ {بِمَا} اسمُ مَوصولٍ يُفيدُ العُمومَ، وقَدْ قال اللهُ تَعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨)} [ق: ١٨] فَأيُّ قَولٍ تَلْفِظُ بِهِ فَلَديكَ رَقيبٌ حاضرٌ عَتيدٌ يَعني: حاضرٌ يَكتبُ ما تَقولُ.

الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ: أَنَّ عذابَ هَؤلاءِ الكُفَّارِ سَيكونُ غَليظًا، أي: شَديدًا؛ لِأنَّ الغِلظَةَ مَعناها القَسوةُ، وهي في كلِّ مَوضعٍ بِحسبِهِ، فَغِلَظُ الطِّباعِ لَيْس كَغِلَظِ الطِّينِ أو العَجينِ أَو ما أَشبهَ ذَلكَ، وغِلَظُ العذابِ ليس كَغِلَظِ الطِّينِ والعَجينِ وغِلَظِ القولِ، وَما أَشبهَ ذَلِكَ، كُلُّ غِلْظةٍ بِحَسَبِها.


(١) أخرجه البخاري: كتاب المظالم، باب قول الله تعالى: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}، رقم (٢٤٤١)، ومسلم: كتاب التوبة، باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله، رقم (٢٧٦٨)، من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.

<<  <   >  >>