للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَبيضُ، وزُهورُها مخُتلِفةٌ وثِمارُها مُخُتلِفَةٌ تُسقَي بِماءٍ واحدٍ ويُفضِّلُ اللهُ بَعضَها عَلى بَعضٍ في الأُكُلِ.

كَذَلِكَ أَيضًا يَدخُلُ في قولِهِ: {فِي الْآفَاقِ} ما يَحصُلُ في الآفاقِ مِن حَربٍ وَسِلمٍ وأَمنٍ وخَوفٍ وشِدَّةٍ ورَخاءٍ، كُلُّ هَذهِ مِنَ الآياتِ مِن آياتِ اللهِ في الآفاقِ.

كَذلكَ ما يحصُلُ مِن غَلَبَةٍ وانهِزامٍ وغَيرِ هَذا، فاللهُ تَعالَي وَعَدَ بِأن يُرِيَ العِبادَ آياتِه في الآفاقِ، فَكلُّ ما في الآفاقِ العُلويَّةِ والسُّفليَّةِ مِمَّا لا يَستطيعُ الخَلقُ أَن يَأتوا بِمِثلِه فَهو مِن آياتِ اللهِ.

{وَفِي أَنْفُسِهِمْ} يَعني: ونُريهُم آياتِنا في أَنفسِهم وذَلكَ مِن نَواحٍ مُتعدِّدةٍ، أَولًا مِن جِهةِ الخِلقَةِ كَيفَ خَلَقَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى الآدميَّ علي هَذهِ الصِّفةِ البَديعَةِ الغَريبَةِ الَّتي لا يوجَدُ مِنَ الحيواناتِ مَن هو مِثلُه في حُسنِ القامةِ وحُسنِ التَّدبيرِ والعقلِ وغَيرِ ذَلكَ.

كَذلكَ أَيضًا في أَنفُسهم مِن طولٍ وقِصَرٍ وبَياضٍ وسَوادٍ وحُسنِ خُلُقٍ وسوءِ خُلُقٍ.

كَذلكَ في أَنفُسِهم مِن تَقلُّباتِ الأحوالِ وكَونِ الإِنسانِ أَحيانًا يُريدُ كَذا، وأَحيانًا يُريدُ كَذا وأَحيانًا يُريدُ الشَّيءَ ويُصمِّمُ عَليهِ، وإِذا به مَصروفٌ عنه هَذا مِن آياتِ اللهِ.

ولهِذا قيلَ لِعَرَبيٍّ: بِم عَرفتَ رَبَّك؟ قال: بِصَرفِ الهِمَمِ، يَعني: تَقليبَ القُلوبِ، تَجِدُ الإنسانَ مَثلًا مُتَجِهًا إلي أن يَنصَرِفَ إلى الشَّمالِ، فَإِذا به يَنصرِفُ إلي الجَنوبِ بِدونِ أيِّ سَببٍ لَكن بِتقديرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

كَذلكَ أيضًا مِن آياتِ اللهِ في الإِنسانِ تَركيبُ هذا البَدَنِ العَجيبِ البَديعِ، واسأَل أَهلَ التَّشريحِ عَن هَذا تَجِدُ العَجَبَ العُجابَ إِن أَتَيتَ إلى الرَّأسِ وَما فيه مِنَ

<<  <   >  >>