المُخِّ وما فيه مِنَ الأدواتِ، وإِذا أَتيتَ إلي الأَمعاءِ وإلى المَعِدَةِ وإلي الكَبدِ وإلي الغُدَدِ وإلي غَيرِها تَجِدُ العجَبَ العُجابَ، يَعني: أَنَّه دولَةٌ في الواقعِ، دولةٌ كُلُّ شَيءٍ مِنهُ لَهُ عَملُه الخاصُّ. مَن يَستَطيعُ أَن يُرَكِّبَ هَذا؟ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ.
كَذلِكَ أَيضًا مِنَ الآياتِ في الأنفُسِ: ما حَصَلَ لِقُريشٍ في بَدرٍ حَيثُ إِنَّ قُريشًا في بَدرٍ خَرجت إلي بَدرٍ كَما وَصفَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنفال: ٤٧] يَقولُ القائلُ مِنهم: "واللهِ لن نَرجعَ حتَّى نَقدُمُ بَدرًا فنُقيمُ فيها ثَلاثًا نَنحرُ الجَزورَ ونَسقي الخُمورَ وتَعزفُ عَلينا القيانُ وتَسمَعُ بِنا العَربُ، فَلا يَزالونَ يَهابونَنا أَبَدًا".
هَكَذا قالوا، ولَكِنَّ الأمرَ صارَ بِالعَكسِ -والحَمدُ لله-، صار العربُ يَتحدَّثون عَن هَزيمتِهم إلي أن يَشاءَ اللهُ مِن أَمَدِ الدُّنيا، هَذا مِن آياتِ اللهِ.
كَذلِكَ مِن آياتِ اللهِ تَعالَى في الإِنسانِ: أنَّ النَّاسَ يَختَلِفونَ اختلافًا عَظيمًا في الفَهمِ والحِفظِ والعملِ، تَجِدُ هَذا يَختارُ هَذا العَمَلَ، والآخرُ يَقولُ: كَيفَ يَصبِرُ هَذا الرَّجلُ عَلي هذا العَمَلِ، وَآخَرُ بِالعَكسِ، هَذا مِن آياتِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
كَذلِكَ أَيضًا النَّاسُ يَختَلِفونَ في الفَهمِ: مِنَ النَّاسِ مَن إِذا قَرأتَ عليهِ العبارةَ فَهِمَها من أَوَّل مَرَّةٍ، ومنَ النَّاسِ مَن لا يَفهمُها في أوَّل مرَّةٍ، مِنَ النَّاس مَن إِذا تَلَوتَ عَليهِ العبارَةَ حَفِظَها مِن أوَّل مَرَّةٍ، ومِنَ النَّاسِ مَن لَيس كَذلكَ، كُلُّ هَذا مِن آياتِ الله، وإِلَّا فالدَّمُ واحدٌ والعَصَبُ واحدٌ والعِظامُ واحدةٌ والجِلدُ واحدٌ، وكُلُّ شَيءٍ واحدٌ لَكن يَختلِفُ النَّاسُ هَذا الِاختلافَ العَظيمَ.
كُلُّ هَذا داخلٌ في قَولِه: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ} يَقولُ المُفسِّرُ رَحِمَهُ اللهُ: [{وَفِي أَنْفُسِهِمْ} مِن لَطيفِ الصَّنعةِ وبَديعِ الحِكمةِ]. {حَتَّى يَتَبَيَّنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute