للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} يَتبَيَّنُ بِمعنًى يَتَّضحُ لَهُم أي: لهِؤلاءِ المُكذِّبينَ.

يَقولُ المُفسِّرُ رَحِمَهُ اللهُ: [{أَنَّهُ} أَي: القُرآنَ]، ويَحتملُ أَن يُرادَ بِهِ الرَّسولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، ويَحتَمِلُ أَن يُرادَ المَعنيانِ جَميعًا.

قولُه تَعالَى: {أَنَّهُ الْحَقُّ} يَقولُ المُفسِّرُ رَحِمَهُ اللهُ: [{الْحَقُّ} المُنزَّلُ مِنَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالبَعثِ والحِسابِ والعِقابِ فيُعاقَبونَ عَلى كُفرِهم بِه وبِالجائي به].

{أَنَّهُ الْحَقُّ} الحقُّ في الأصلِ هو الشَّيءُ الثَّابتُ الواقعُ لا محَالَةَ، ومنه قَولُه تَعالَى: {الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ} [الحاقة: ١ - ٢] يَعني: الشَّيءَ الثَّابتَ، ويُطلَقُ عَلي مَعانٍ مُتعدِّدةٍ مِنها: أَنَّه الصِّدقُ، فالصِّدقُ حَقٌّ وضِدُّهُ الكَذِبُ باطلٌ، ومِنها: العدلُ، فالعَدلُ حَقٌّ وضِدُّه الجَورُ وهو باطلٌ؛ ولهِذا قالَ اللهُ تَعالَى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} [الأنعام: ١١٥] ومِنها -أي: مِن مَعاني الحَقِّ- أَنَّه الشَّيءُ الثَّابِتُ الَّذي لا يُزَحزِحُه أَحَدٌ، وضِدُّه الشَّيءُ الَّذي لا يَثبُتُ ولا يَستَقِرُّ وكُلُّ إِنسانٍ يُبطلُهُ.

فَأنتَ الآنَ تَجِدُ أنَّ القُرآنَ الكَريمَ مَهما جادلَ بِهِ المُجادِلُ ليدفَعَه فَحُجَّتُه باطِلةٌ، ولا يُمكنُ لِأحدٍ أَن يَغلبَ القُرآنَ بل القُرآنُ غالبٌ، لَكنِ اعلَموا أَيُّها الإِخوةُ أَنَّ كَونَ القُرآنِ غالبًا إِنَّما هو بِحَسَبِ حامِلِه؛ ولِذلكَ تَجِدُ السَّيفَ البَتَّارَ بيدِ الجَبانِ لا يُغني شَيئًا، لا بُدَّ أن يَكونَ القُرآنُ بِحَسَبِ حاملِهِ وإِلَّا فالقُرآنُ نَفسُهُ لا يُمكنُ أَن يُغلبَ أَبدًا إِلَّا أَنَّه قَد يُغلَبُ مِن جِهةِ حاملِه، وهذا لَيسَ عَيبًا في القُرآنِ ولَكنَّه عَيبٌ في حاملِ القُرآنِ.

قَولُه تَعالَى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} يَقولُ المُفسِّرُ رَحِمَهُ اللهُ: [المُنزَّلُ مِنَ اللهِ بِالبَعثِ والحِسابِ]، وهذا التَّخصيصُ مِنَ المفسِّر رَحِمَهُ اللهُ علي سَبيلِ المِثالِ، وَإِلَّا فَإنَّه

<<  <   >  >>