للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والأمْواتَ والوُحوشَ والسِّباعَ والبَهائِمَ والحشَراتِ والآدمِيِّين، وكانَت واسِعةً أيْضًا مَع كَثرَةِ ما فِيها؛ فلَو أنَّ هؤُلاء الأحْياءَ الَّذِين على ظهْرِ الأرْضِ يَحيَون إلَى الآنَ، لرَأيْتَ أمْرًا بَشِعًا وصَعبًا، لكِنْ جعَلَ اللهُ الأرْضَ كِفاتًا أحياءً وأمْواتًا، وهَذِه مِن برَكاتِها.

وقوْلُه: {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} "قدَّر" قال المُفسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [قَسَّم {فِيهَا أَقْوَاتَهَا} للنَّاس والبَهائِم ... ] إلخ، قدَّر فِيها الأقْواتَ؛ يَقولُ: إنَّ "قدَّر" مِن التَّقدِيرِ وهُو التَّقسِيمُ، قدَّر الأقواتَ ولَم يجْعَل القُوتَ في جانِبٍ واحِدٍ مِنَ الأرْضِ، إذْ لو كان في جانِبٍ واحِدٍ مِن الأرْضٍ لشقَّ هَذا على النَّاسِ كَثِيرًا؛ لَو قُدِّر مَثلًا أنَّ الأقْواتَ لا تَكونُ إلَّا في غرْبِ الكُرَةِ الَأرْضِيَّةِ، فكَيْف يعِيشُ أهْلُ الشَّرقِ، أو بالعَكْسِ: كيْف يعِيشُ أهلُ الغرْبِ؟ لكنَّه مُقدَّر.

ثمَّ قدَّره مِن ناحِيةٍ أُخرَى: جعَل في هذِه الأراضِي ما لا يصْلُحُ في الأراضِي الأُخرَى والعَكْسَ.

والحِكْمَةُ: مِن أجْلِ أنْ يتَبادَلَ النَّاسُ الأقْواتَ، فيَأتي النَّاسُ الَّذِينَ ليْس عِندَهم هَذا النَّوْعُ مِن القُوتِ يَذهَبُون إلَى الأراضِي الَّتي فِيها هَذا القُوتُ فيَجلِبونه إلَى الأرْضِ الخالِيةِ مِنْه، وكذَلِك العَكْسُ، ففِي بعْضِ الجِهاتِ مِن الأرْضِ يَكْثُر فِيها النَّخِيلُ والعِنَبُ، لكِن تقِلُّ فِيها الحمْضِيَّاتُ وأشباهُها، وفِيه أيْضًا أشْياءُ كثِيرَةٌ - وأنا لسْتُ مِن أهْلِ الزِّراعَةِ - تصْلُحُ في مكانٍ دُون مكانٍ مِن أجْلِ أنْ يقَعَ التَّبادُلُ بيْن النَّاسِ والضَّرْبُ في الأرْضِ ابْتِغاءَ الرِّزْقِ، وهَذا مِن الحِكمَةِ في قوْلِه: {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا}.

وقولُه: {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} قال المُفسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [{فِي} تمام {أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} هو أيِ الجَعْلُ، وما ذُكِرَ معَه في يوْمِ الثُّلاثاءِ والْأرْبِعاءِ] إذا كانَ خلْقُ الأرْضِ أوَّلُه الأحَدُ والاثْنَينُ،

<<  <   >  >>