للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يكونَ فعْلًا لأنَّ الأصْلَ في العمَلِ الأفْعالُ؛ ولهذا يَعملُ الفِعلُ بلا شَرطٍ، والأسْماءُ الَّتي تَعمَلُ عمَلَ الفِعلِ لا بُدَّ لها مِن شُروطٍ - كما هو مَعروفٌ في عِلمِ النَّحوِ.

وإنَّما اخْتَرنا أنْ يَكونَ مُتأخِّرًا لفائِدتيْنِ:

الفائِدةُ الأولى: تيَمُّنًا بذِكْرِ اسمِ اللهِ.

والفائِدةُ الثَّانيةُ: إرادةُ الحصْرِ؛ لأنَّه إذا تأخَّرَ العامِلُ كانَ ذلك حَصْرًا، فإذا قُلتَ: زيدًا أكرِمْ، فالمعنى: لا تُكرِم غيرَه، لكنْ لو قلتَ: أكرِمْ زيدًا، لم يمتنع أنْ تُكرمَ غيرَه.

وقدَّرْناه مُناسِبًا؛ لأنه أَبْيَنُ للمَقصودِ، فلو قال قائل: "بسمِ اللهِ أبتدئُ"، قلنا: صحيح، لكنَّها لا تُبيِّنُ المرادَ كما تُبيِّنُه: "بسمِ اللهِ أقرأُ"؛ وذلك لأنَّ الِابتِداءَ يكونُ للقِراءةِ ولغيرِ القِراءةِ، فلهذا اختِيرَ أنْ يكونَ مناسبًا للمَقامِ.

والخُلاصَةُ: أنَّ مُتعلقَ الجارِّ والمَجْرورِ مَحذوفٌ، وهو فِعلٌ مُتأخّرٌ مُناسبٌ للمَقامِ.

فإنْ قال قائِل: هَلْ صَحِيح ما يَروي بعضُهم عنْ أبي هُريرةَ أنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ علَيهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ- قال: "إذا قرأتم: الحمدُ للهِ ربِّ العالمَين فاقرؤُوا: "بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ" فإنَّها إحدى آياتِها" (١)؟

فالجوابُ: هذا الحديثُ ليس بصحيحٍ، ويدُلُّ على ذلك:

أوَّلًا: حديثُ أبي هريرة - رضي الله عنه - الثَّابتُ في الصَّحيحِ، أنَّ اللهَ تعالى قالَ: "قَسمتُ الصَّلاةَ بيني وبينَ عبدي نِصفَينِ" -يعني الفاتِحةَ- "فإذا قالَ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمَين،


(١) أخرجه الدارقطني (١/ ٣١٢)، والبيهقي (٢/ ٤٥).

<<  <   >  >>