للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال أبو عبد الله الزبيري: اجتمع راوية جرير، وراوية كثير، وراوية جميل وراوية الأحوص، وراوية نصيب. وافتخر كل منهم، وقال صاحبي أشعر فحكموا السيدة سكينة بنت الحسين رضي الله عنها بينهم لعقلها وبصرها، فخرجوا حتى استأذنوا عليها وقد ذكروا لها أمرهم، فقالت لراوية جرير أليس صاحبك الذي يقول:

طرقتك صائدة القلوب وليس ذا ... وقت الزيارة فارجعي بسلام

وأي ساعة أحلى من الزيارة بالطروق، قبح الله صاحبك، وقبح شعره فهلا قال: فادخلي بسلام؟ {ثم قالت لراوية كثير: أليس صاحبك يقول:

يقر بعيني ما تقر بعينها ... وأحسن شيء ما به العين قرت وليس شيء أقر لعينها من النكاح، أفيحب صاحبك أن ينكح قبح الله صاحبك، وقبح شعره، ثم قالت راوية جميل: أليس صاحبك الذي يقول:

فلو تركت عقلي معي ما طلبتها ... وإن طلابيها لما فات من عقلي

فما أرادها، ولكن طلب عقله، قبح صاحبك، وقبح شعره، ثم قالت لراوية نصيب: أليس صاحبك الذي يقول:

أهيم بدعد ما حييت فإن أمت ... فواحزني من ذا يهيم بها بعدي

فما له همة إلا من يتعشقها بعده. قبحه الله، وقبح شعره هلا قال:

أهيم بدعد ما حييت وإن أمت ... فلا صلحت دعد لذي خلة بعدي

ثم قالت لراوية الأحوص: أليس صاحبك الذي يقول:

من عاشقين تواعدا وتراسلا ... ليلاً إذا نجم الثريا حلقا

باتا بأنعم ليلة وألذها ... حتى إذا وضح الصباح تفرقا

قبح الله صاحبك، وقبح شعره، هلا قال: تعانقا؟} فلم تثن على واحد منهم. وأحجم رواتهم عن جوابها.

قيل: أمسك على النابغة الجعدي الشعر أربعين يوماً، فلم ينطق. ثم إن بني جعدة غزوا قوماً فظفروا، فلما سمع فرح وطرب فاستحثه الشعر، فذل له ما استصعب عليه، فقال له قومه: والله لنحن بإطلاق لسان شاعرنا أسر من الظفر بعدونا.

وقال الخليل ره: الشعراء أمراء الكلام يتصرفون فيه، أنى شآؤا، جايز لهم فيه ما لا يجوز لغيرهم: من إطلاق المعنى وتقييده، وتسهيل اللفظ وتعقيده.

<<  <  ج: ص:  >  >>