عن الحركة عميت، وجعل يومي قبل يومك فيه أي جعل يومي الذي أدخل الجنة: قبل يومك الذي تدخل فيه النار، وأما قوله: يسرني ما يسرك، فإن العافية تسره كما تسر الكافر.
وحكي أن رجلاً كان شاعراً وكان له عدو، فبينما هو سائر ذات يوم من الأيام، وإذا بعدوه إلى جانبه، فعلم الشاعر أن عدوه قاتله لا محالة، فقال له: يا هذا أنا أعلم أن المنية قد حضرت ولكن سألتك الله إذا أنت قتلتني امض إذاً إلى داري وقف بالباب وقل: إلا أيها البنتان إن أباكما وكانت للشاعر ابنتان، فلما سمعتا قول الرجل:
ألا أيها البنتان إن أباكما قالتا ... قتيل خذا بالثأر ممن أتاكما
ثم تعلقتا بالرجل. وحملتاه إلى الحاكم، ثم طلبتا أباهما، فاستقره فاقر فأمر بقتله وقتل بأبيهما.
وقال معاوية لجارية بن قدامة: ما كان أهونك على قومك، إذ سموك جارية؟ فقال: وما أهونك على قومك إذ سموك معاوية، وهي الأنثى من الكلاب قال: اسكت، لا أم لك، قال: أم ولدتني، أما والله إن القلوب التي أبغضناك بها لبين جوانحنا، والسيوف التي قاتلناك بها لفي أيدينا وإنك لا تملكنا قهراً ولا تهلكنا عنوة، ولكنك أعطيتنا عهداً وميثاقاً وأعطيناك سمعاً وطاعة، فإن وفيت لنا وفينا لك، وإن فرغت إلى غير ذلك فإنا قد تركنا ورائنا لك رجالاً شداداً وأسنة حداداً فقال معاوية: لا كثر الله مثلك في الناس يا جارية، قال: قل معروفاً فإن شر الدعاء محيط بأهله.
ومن حكايات الفصحاء ما حكي أن عبد الملك بن مروان جلس يوماً وعنده جماعة من خواصه وأهل مسامرته فقال: أيكم يأتيني بحروف المعجم في بدنه؟ وله علي ما يتمناه، فقام إليه سويد بن غفلة فقال: أنا لها يا أمير المؤمنين، قال هات، قال: أولها: أنف، بطن، ترقوة، ثغر، جمجمة، حلق، خد، دماغ، ذكر، رقبة، زند، ساق، شفة، صدر، ضلع، طحال، ظهر، عين، غبغبة، فم، قفا، كف، لسان، منخر، نغنوغ وجه، هامة، يد وهذه آخر حروف المعجم والسلام على أمير المؤمنين.
فقال: بعض أصحاب عبد الملك وقال يا أمير المؤمنين أنا أقول في جسد الإنسان مرتين فضحك عبد الملك وقال لسويد: أما سمعت ما قال، قال: نعم أنا أقولها ثلاثاً: فقال له: لك ما تتمنى، فقال: أنف أسنان أذن، بطن بصر بز، ترقوة تمرة تينة، ثغر ثنايا ثدي، جمجمة جنب جبهة، حلق حنك حاجب، خد خنصر خاصرة، دبر دماغ دردر، ذكر ذقن ذراع، رقبة رأس ركبة، زند زردمة زب، فضحك عبد الملك من قوله. ثم قال سويد: ساق سرة سبابة، شفة شعر شارب، صدر صدغ صلعة، ضلع ضفير ضرس، طحال طرة طرف، ظهر ظفر ظنبوب، عين عنق عاتق، غبغب غلصمة غنة، فم فك فؤاد، قلب قدم قفا، كف كتف كعب، لسان لحية لوح، مرفق منكب منخر، نغنوغ ناب نن، هامة هيف هيئة، وجه وجنة ورك، يمين يسار يافوخ.
ثم نهض مسرعاً وقبل الأرض بين يدي عبد الملك، فقالوا: والله ما نزيد عليها أعطوه ما تمناه ثم أجازه وأنعم عليه وبالغ بالإحسان إليه.
قال رجل لصاحب منزل: أصلح خشب هذا السقف فإنه يقرقع، قال: لا تخف فإنه يسبح قال: أخاف أن تدركه رقة قلب فيسجد.