ومعنى الاستخدامات الأربعة: بذلك الذهب فاكحل عينك بطلوع عين الشمس ومجرى العين الجارية من الماء.
قال الجنيد: العشق ألفة رحمانية وإلهام شوقي أوجبها الله تعالى على كل ذي روح، ليحصل به اللذة العظمى التي لا يقدر على مثالها إلا بتلك الألفن، وهي موجودة في النفس، مقدرة مراتبها عند أربابها، فما أحد إلا عاشق لأمر يستدل به على قدر طبقة من الخلق، ولذلك كان أشرف المراتب في الدنيا مراتب الذين زهدوا فيها، مع كونها معاينة، ومالوا إلى الآخرة مع كونها مخبراً لهم عنها بصورة لفظ. لمجير الدين محمد بن تميم كتبها على وردة وأرسلها إلى معشوقه:
سيقت إليك من الحدائق وردة ... وأتتك قبل أوانها تطفيلا
طمعت بلثمك إذ رأتك فجمعت ... فمها إليك كطالب تقبيلا
وسقيم الجفون أودعه الله ... بذاك السقام سراً خفيا
غلبت مقلتاه قلبي عشقاً ... وضعيفان يغلبان قويا
للشيخ العلامة تقي الدين ابن دقيق العبد:
كم ليلة فيك وصلنا السرى ... لا نعرف الغمض ولا نستريح
واختلف الأصحاب ماذا الذي ... يزيل من شكواهم أو يريح
فقيل تعريسهم ساعة ... وقيل بل ذكراك وهو الصحيح
قال الصفدي: انظر إلى هذا النظم، ما ألطف تركيب ألفاظه وما أحلاه. وكونه استعمل طريق الفقهاء في البحث في ذكر اختلاف الأصحاب، وأنه قيل كذا وقيل كذا وقلت كذا وهو الصحيح، كأنه إمام الحرمين وقد ألقى درساً في مسألة فيها خلاف بين الأصحاب، وقد رجح ما رآه هو عنده من الدليل، وما رأيت أحسن من هذا بيتاً وهو يصف أحوالهم في السري. ومشاقهم في التعب ويشاورهم فيما بينهم، وما أشار به كل منهم على إزالة ما نالهم من العناء وأدخل فيه ذكر الممدوح، ونص على تصحيحه، فكأنه في حلقة الدرس وقد شرع في مسألة خلافية ويحرم هذا النظم على غير الشيخ تقي الدين