الأديب المشهور وقدرته على حل كل ما يرد عليه من الألفاظ من غير تردد، فقلنا: هلم لغزا محالا ونسأله عنه، فقلنا:
(وما شيء له في الرأس رجل ... وموضع وجهه منه قفاه)
(إذا غمضت عينك أبصرته ... وإن فتحت عينك لا تراه)
فأنفذناه إليك، فكتب في الجواب: هو طيف الخيال: فقلت لأبي غالب: عالت المسألة، قم بنا حتى نسأله الآن عن هذا التأويل، فذهبنا إليه، فقلت له: هب أن البيت الثاني فيه معنى طيف الخيال فما تأويل الأول؟ فقال: المعنى كله فيه، فقلت كيف ذلك؟ فقال: إن المنامات تفسر بالعكس، فإذا رأى الإنسان أنه مات فسر بطول العمر، وإذا رأى أنه يبكي فسر بالفرح والسرور، وعلى هذا جرى اللغز في جعل رأسه رجله، ووجهه قفاه، فعجبنا من ذكائه.
ولد محمد بن سليمان بن قطرش سنة ٥٤٣ وتوفي سنة ٦٢٦.
ولد عثمان بن إبراهيم العمري سنة ٤٤١ هـ وكان له شعر جيد، ومن شعره:
(إنما هذه الحياة متاع ... والسفيه الغوي من يصطفيها)
(ما مضى فات والمؤمل غيب ... ولك الساعة التي أنت فيها)
حكى بعض الثقات قال: مررت مع رفيق لي بفلاة، وإذا نحن بأعرابية كأنها فلقة قمر، فقالت هلم إلى القرى، فلما دخلنا خباءها وجدنا قبرا، فقلنا لها ما هذا؟ فتنفست الصعداء، ثم قالت: قبر خليلي، كان يظهر ودي، ويحسن رفدي، فمات، فدفنته عندي. قال فقلت لها: فهل لك فيمن يجدد ما قد درس من وده، ويزيدك إحسانا إلى رفده، فتغير وجهها، وأسبلت دمعتها، وقامت مولية وهي تقول: بصوت حزين:
(وإني لأستحييه والترب بيننا ... كما كنت أستحييه حين يراني)
(فإن تسألاني في هواي فإنني ... رهينة هذا القبر يا رجلان)
قال ولم تعد حتى خرجنا.
من الحماسة:
(وكنت إذا ما جئت جئت بعلة ... فأفنيت علاتي فكيف أقول)
(فما كل يوم لي بأرضك حاجة ... ولا كل يوم لي إليك وصول)