والدليل على ذلك: أنهم لو شهدوا بالبيع والتسليم، كان ذلك شهادة بالملك وإن لم يصرحوا به في لفظ الشهادة؛ لأنهم شهدوا باليد، وجهة ملك، إذ لا سبيل إلى إثبات الأملاك من جهة الحقيقة، وإنما يرجع فيها إلى ظاهر اليد والتصرف.
[مسألة:]
قال:(ولو شهدوا أنها كانت في يده منذ شهر: لم يقبل ذلك، ولم يقض به).
وذلك لأن الشهادة باليد على الإطلاق، ليست شهادة بالملك، إذ كان ظاهر اليد لا يوجب الملك، ما لم ينضف إليها التصرف.
وقد كان أبو الحسن الكرخي رحمه الله يقول: فيما قال أبو حنيفة في الجامع الصغير: "إذا رأيت في يد إنسان شيئًا سوى العبد والأمة: وسعك أن تشهد أنه له": أن معناه: إذا رأيته في يده يتصرف فيه تصرف الملاك، فإن اليد من غير تصرف، لا توجب له جواز الشهادة بالملك.
قال: وقد بين ذلك أبو يوسف في غير هذا الموضع.
وإذا كان تحصيل المذهب في هذه المسألة على ما وصفنا، لم يكن في شهادة الشهود بيد كانت: شهادة بالملك، وإنما حصلت هناك شهادة بيد، لا ملك معها، ولا جائز لنا إبطال يد مشاهدة لمن هو في يده، بيد تريد إثباتها بالبينة؛ لأن اليد المشاهدة آكد وأثبت مما يريد إثباته بالبينة.
وليس ذلك مثل شهادتهم بأنها كانت منذ شهر؛ لأن الملك إذا ثبت في وقت، فهو ثابت في سائر الأوقات حتى يستحق.
واليد المشاهدة للذي هي في يده، لا تعارض شهادة الملك، ولا تنافيه، إذ ليس يمتنع صحة يده، مع ثبوت الملك فيها لغيره.