المعنى الذي من أجله جازت صلاة الخائف إلى غيرها، وهو تعذر التوجه إليها، إذ لا سبيل إلى التوجه إلى الكعبة لمن غاب عن عينها إلا من جهة الاجتهاد.
وليس هذا بمنزلة من اجتهد في أحد ثوبيه، وأحدهما نجس، فصلى فيه، ثم تبين أنه صلى بالنجس منهما: فيعيد صلاته.
ومع ذلك في حال عدم ثوب غيره، تجزيه صلاته مع العلم بنجاسته والفرق بينهما أن نجاسة الثوب قد تعلم ويوصل إليها من جهة اليقين، ولا سبيل إلى الوصول إلى عين القبلة لمن غاب عنها إلا من جهة الاجتهاد، فلذلك اختلفا.
ألا ترى أن أحدًا لا يمكنه أن يقول: إني محاذ للكعبة، غير زائل عن جهتها بحال بعد غيبته عنها، وكذلك حكم سائر الجهات التي يتوجه إليها أهل البلدان، فإنما هي اجتهاد.
والنجاسات قد يعلم وجودها في الثوب من جهة اليقين، فلما كان كذلك، فالمجتهد إلى الكعبة إنما رجع من اجتهاد إلى اجتهاد، والمجتهد في الثوب رجع من اجتهاد إلى يقين، فأشبه المجتهد في القبلة بالمجتهد في حكم الحادثة إذا صار من اجتهاده إلى اجتهاد مثله: فلا ينقض الأول، ولو قد صار إلى نص أو إجماع: نقض اجتهاده الأول.