فلما اتفق الجميع على أن القضاء للغائب قد يصح بحضور خصم عنه، مثل أن يحضر أحد الورثة، ويدعي حقا للميت، فيكون خصما في إثباته، ويثبت ذلك لسائرهم بخصومته، ثم لم يجز مع ذلك القضاء للغائب من غير خصم، كذلك جاز أن يقضى على الغائب بحضور خصم، ولا يجوز قياسا عليه القضاء على الغائب من غير خصم حاضر.
فإن قيل: قال النبي عليه الصلاة والسلام لهند امرأة أبي سفيان حين قالت له: إن أبى سفيان رجل شحيح، لا يعطيني ما يكفيني وولدي، فقال:"خذي من مال أبي سفيان ما يكفيني وولدك بالمعروف"، وذلك قضاء على الغائب.
قيل له: ومن أين لك أن أبا سفيان كان غائبا حين قال لها النبي عليه الصلاة والسلام هذا القول، حتى تجعله أصلا لجواز الفضاء على الغائب؟ وقد روي لنا في حديث لا يحضرني سنده،"أن أبا سفيان كان حاضرا".
وعلى أنه لو سلمنا لك أنه كان غائبا، لم يدل على شيء مما ذكرت، من قبل أن ذلك لم يكن على وجه القضاء، وإنما كان على وجه الفتيا، والإخبار بما يسعها فعله فيما بينهما وبين الله تعالى.
والدليل على ذلك: أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يسألها البينة على ما ادعت على أبي سفيان، مع منع حقها من النفقة، ومعلوم أن النبي عليه