للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على وجه الحكمة، وإن كانت من الإنسان بغير أمر اللَّه فهى مذمومة (١).

قال ابن الجوزي في المدهش: وردت كلمة الفتنة في القرآن الكريم بمعنى الشرك في قوله تعالى {حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: ١٩٣] ويراد بها القتل {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: ١٠١] ويراد بها المعذرة، ثم لم تكن فتنتهم ويراد بها الضلال، {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ} [المائدة: ٤١]، ويراد بها القضاء، {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ} [الأعراف: ١٥٥] ويراد بها الإثم، {أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} [التوبة: ٤٩] ويراد بها المرض، {يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ} [التوبة: ١٢٦] ويراد بها العبرة، {تَجْعَلْنَا فِتْنَةً} [يونس: ٨٥] ويراد بها العقوبة، {أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} [النور: ٦٣] ويراد بها الاختبار، {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [العنكبوت: ٣] ويراد بها الإحراق، {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} [الذاريات: ١٣] ويراد بها الجنون، {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} [القلم: ٦] (٢).

والفتن التي يتعرض لها الإنسان هي بإرادة اللَّه سبحانه، لا لتعذيبه وإيذائه لأن اللَّه غنى عن عباده، ولكنها تعرض للناس كما يعرض الصائغ الذهب على النار ليطهره من الشوائب الدخيلة عليه ليصفيه ويجعله خالصًا أصيلًا يستهوى المقتنين له، كذلك المؤمن يعرضه ربه للشدائد ليصفو ويزكو وتتطهر نفسه وتخلص للَّه تعالى ليكون أهلًا لوراثة الخلافة في الأرض على منهج اللَّه في الدنيا وكذلك ليكون مستحقًا للنعيم الدائم يوم القيامة قال تعالى {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: ٣] أما الأدعياء الكاذبون فإنهم يسقطون لا محالة، وأما المخلصون الذين تنورت قلوبهم بنور


(١) القسطلانى في شرحه على البخاري: إرشاد الساري.
(٢) نقلًا عن المسيح الدجال: قراءة في أصول الديانات الثلاث - سعيد أيوب.

<<  <   >  >>