للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وهكذا جاء في (المسند) و (الدر المنثور) و (المستدرك) في جميعها بلفظ (ثم يمكث الناس سبع سنين) يرفع (الناس) على الفاعلية، وهى رواية صحيحة واضحة، ومعناها عندى واللَّه اعلم: أن الناس يعيشون متحابين ليس بينهم عداوة ولا بغضاء سنين طويلة، وهى أربعون سنة، كما بينتها رواية أبي داود ونصها: (فيمكث -أي سيدنا عيسى في الأرض- أربعين سنة ثم يتوفى ويصلى عليه المسلمون) ويكون ذكر (سبع سنين) هنا رمزًا للكثرة لا للحصر، وكقوله تعالى {كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} إذ التمثيل فيها للتكثير لا للحصر، وكقوله تعالى {وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} قال الألوسي في تفسيره هذه الآية: (المراد بالسبعة الكثرة بحيث تشمل المائة والألف مثلًا، لا خصوص العدد المعروف، كما في قوله عليه الصلاة والسلام: (المؤمن يأكل في معى واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء).
أما الرواية التى وقعت قديمًا في بعض النسخ (صحيح مسلم) بلفظ: (ثم يمكث في الناس سبع سنين) كما جاء منقولًا في (صحيح مسلم) بهذا اللفظ في (مشكاة المصابيح) ص ٤٨١ وفي نسخة (المرقاة شرح المشكاة) للعلامة القارئ، فتحتاج إلى تأويل، إذ الضمير في (يمكث سبع سنين) عائد على سيدنا عيسى، فلهذا علق عليها كل من الحافظ بن كثير والحافظ بن حجر رحمهما اللَّه تعالى قال الحافظ بن كثير في (تفسيره): (جاء في حديث عبد الرحمن بن آدم عن أبي هريرة أن عيسى عليه السلام يمكث في الأرض بعد نزوله أربعين سنة) رواه الإمام أحمد. وفي حديث عبد اللَّه بن عمرو وعند مسلم أنه (يمكث سبع سنين) فيحتمل واللَّه أعلم أن يكون المراد بلبثه في الأرض أربعين سنة، مجموع إقامته فيها فبل رفعه وبعد نزوله، فأنه رفع وله ثلاث وثلاثون سنة في الصحيح.
قلت: لكن الحافظ بن حجر لم يرتض هذا الجمع، فلذا حط كلامه على أن مدة إقامته بعد نزوله عيسى عليه السلام أربعين سنة، إذ ذكر رواية (سبع سنين) ثم أعقبها بروايات صحيحة فيها ذكر (أربعين سنة) وسكت عليها مرتضيًا لها. وهذه عبارته في (فتح الباري): (روى مسلم من حديث ابن عمرو في مدة إقامة عيسى بالأرض بعد نزوله أنها سبع سنين) وروى نعيم بن حماد في كتاب الفتن من حديث ابن عباس: أن عيسى إذ ذاك يتزوج في الأرض ويقيم بها تسعة عشر سنة وبإسناد فيه راو مبهم عن أبي هريرة، ويقيم بها أربعين سنة، وروى أحمد وأبو داود بإسناد صحيح من طريق عبد الرحمن بن آدم عن أبي هريرة أن =

<<  <   >  >>