للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣ - أخرج الحاكم عن أبي سلمة -رضي اللَّه عنه- قال: عدت أبا هريرة -رضي اللَّه عنه- فقلت: اللهم أشف أبا هريرة، فقال: اللهم لا ترجعها، إن استطعت يا أبا سلمة فمت، والذي نفسى بيده ليأتين على العلماء زمان الموت أحب إلى أحدهم من الذهب الأحمر. وليأتين أحدهم قبر أخيه فيقول: ليتنى مكانه) (١).

٤ - وفي كتاب الفتن من رواية عبد اللَّه بن الصامت عن أبي ذر -رضي اللَّه عنه- قال: يوشك أن تمر الجنازة في السوق على الجماعة فيراها الرجل فيهز رأسه فيقول: يا ليتنى مكان هذا.

قلت: يا أبا ذر إن ذلك لمن أمر عظيم، قال: أجل.

إن شدة المحن والإبتلاء وما يصيب الناس من ضيم وفتن تجعل الرجل يتمنى الموت الذي هو من أعظم المصائب في الدنيا، وسماه القرآن الكريم (الفزع الأكبر) و (مصيبة الموت) (٢) وهذا التمنى ليس من باب التدين والتقرب إلى اللَّه تعالى وحبًا في لقائه، وإنما بسبب المعاناة التي تنتاب الناس وقسوة العيش وضراوة الفتن واختلافها وتعددها، بل إن الحديث النبوى ليصور حجم هذه المأساة التي تصيب الناس حتى تجعل الرجل يتمرغ بقبر أخيه وصاحبه لا حبًا واشتياقًا له!! وإنما حبًا بالتخلص من العيش وفرارًا من ضراوة المعاناة وضنك العيش.

قال عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه-: (سيأتى عليكم زمان لو وجد أحدكم الموت يباع لاشتراه).


(١) نقلًا عن فتح الباري ١٣/ ٧٥ وما بعدها باب الفتن عند شرح حديث (حتى يمر الرجل بقبر الرجل. . .).
(٢) إشارة إلى قوله تعالى: {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (١٠٣)}، وقوله: {فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ}

<<  <   >  >>