= وعجز أطباء الهنود عن شفائه، فحاول الدكتور المذكور معالجته، فقبل الملك عرضه، فداواه. ومن حسن حظ البريطانيين أن الملك شفي، وأراد الملك أن يكافيء الدكتور، ولكنه لم يأخذ منه شيئًا إزاء ذلك، إلا أنه طلب من الملك عوض مكافأته أن يسمح للشركة الشرقية الهندية المتحدة بالتصرف في الأراضي، والشركة تتخذ حرسًا على أراضيها، وتعفى من الرسوم والضرائب على بضاعتها التي تستوردها من الخارج، فالملك لبّى طلباته بصرف النظر عما سيحدث في المستقبل من جراء ذلك، فالشركة بَنَتْ "قلعة وليم" في كلكتا، فنجحت الشركة، وازدهرت تجارتها، وازدادت قوتها وشوكتها، وتغلغلت في شتى نواحي البلاد سياسيًا واقتصاديًا، وقضت على حياة الشعب الهندي، وآل الأمر إلى انحطاطه، وبدت حالة الحكام تتضاءل وتضعف، وبذلك قوي النفوذ البريطاني في الهند، وبالمكايد وبالحيل تغلبوا على البلاد تدريجيًا. أما معاملتهم مع العسكر الهنود والأهالي، فهي قاسية جدًا، ومن جرائها قامت في الهند ثورة كبرى، وباعثها "الغدر" سنة ١٨٥٧، فبدأت المعارك العنيفة بين الطرفين، فهزمت القوة البريطانية في جهة، وتغلبت في جهة أخرى، ومن ذلك الآن ساد التغلب البريطاني على جميع المواطنين، وقبض على الملك، وقتلت أولاده شر قتلة، وأيضًا قتل عدد من عسكر حكومة الهند، وعدد من الجنود المستخدمين عند الحكومة البريطانية. وقبضت على الملك أبي الظفر بهادر شاه جغتائي، وأصدر المجلس العسكري البريطاني بيانًا في تقرير مصير الملك، فأرسلوه وزوجته وابنه جوان بخت، وعمره ١٧ سنة إلى رنكون، وظل هناك سجينًا للاستعمار طيلة حياته إلى أن قضى نحبه في ٧ نوفمبر ١٨٦٢ م، وابنه "جوان بخت" أيضًا توفي في رنكون سنة ١٨٨٤ م، وزوجة الملك "زينت محل" توفيت هنالك أيضًا سنة ١٨٨٦ م، والفظائع البريطانية لا تنسى أبدًا. وهزيمة المواطنين لم تحل دون أملهم في السعي وراء الحرية، فاستمرت المناوشات والمعارك ضد الاستعمار، والمسلمون في طليعة صفوف الوطنيين الذين استمروا في كفاحهم للحرية إلى أن باءت بريطانيا بالفشل خلال الثورة، وانسحبت قواتها من الهند سنة ١٩٤٧ م، ومن ذلك الحين نالت البلاد استقلالها، وانقسمت إلى قسمين: "هندوستان"، "وباكستان". تشكلت الجمهورية الهندية ١٥ أغسطس سنة ١٩٤٧ م، وعين لها رئيسًا، ورئيس الوزراء هو البنديت جواهر لال نهرو، ولحسن حظه أنه بقي على منصبه حتى اليوم سنة ١٩٦٢ م. وللجمهورية الهندية دستور ذكرت فيه كفالة الحقوق السياسية لجميع المواطنين دون تمييز بينهم بسبب الدين أو العنصر، ولكن معاملة الجمهورية للمسلمين غير عادلة، فكأن الحقوق المذكورة في الدستور الهندي لم توضع إلا لتزيين الصفحات الدستورية؛ لأن المسلم الهندي محروم من المناصب العالية، مثل وزارة المالية، والرئاسة الوزارية، والخدمات العسكرية، ومعاملة الجمهورية لمسلمي الهند غير شريفة، مع أن عدد المسلمين في الهند خمسون