للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رسولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فهذه غايةُ الوصلة، وهو المعبر عنه بالاتحاد؛ أي: كون الاثنين عينا للواحد، وما في الوجود أمر زائد، انتهى. وللَّه در القائل:

تَوَهَّمَ واشِينا بِلَيْلِ مَزارِنا ... فَهَمَّ ليسعى بينَنا بالتباعُدِ

فعانَقْتُهُ حتى اتَّحَدْنا تعانُقًا ... فلمَّا أتانا ما رأى غيرَ واحدِ

وفي معناه ما قال الشاعر بالفارسية:

جذبه وصل بحديست من وتو ... كه رقيب آمد وبرسيد نشان من وتو

ولا غرو في ذلك، فقد قلنا في كتابنا "الحِطَّة بذكر الصِّحاح الستة" ما نصه: إن أهل الحديث - كَثَّرَ اللَّه تعالى سوادَهم، ورفع في العالمين عمادَهم - لهم نسبةٌ خاصة، ومعرفة مخصوصة بالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، لا يشاركهم فيها أحد من العالمين، فضلًا عن سائر الناس أجمعين، فإنهم لا يزال يجري صفاته العليا وأحواله الكريمة وشمائله الشريفة على لسانهم، ولم يبرح تمثالُ جماله الكريم وخيالُ وجهه الوسيم ونورُ حديثه المستبين وبركةُ العمل بسنته المطهرة يتردَّدُ في حاق وسطِ جَنانهم، فعلاقة باطنهم بباطنه العلي متصلة، ونسبةُ ظاهرهم بظاهره النقي مسلسلة، فهم أهلُ الودِّ والاتحاد حقًا، وأصحاب الوحدة المطلقة عدلًا وصدقًا، فأكرمْ بهم من كرام يشاهِدون عظمةَ المسمَّى حين يذكر الاسم، ويصلُّون عليه كلَّما مر ذكره الشريف بأحسنِ الحدِّ والرسم، وخاضوا في بحار العلوم المحمدية خوضًا، وصاروا به نحو المعلوم، خدموا الأحاديث الأحمدية خدمة، وعادوا معها عينَ المخدوم، انتهى.

وذكر له سليم الخوري في كتاب "آثار الأدهار" ترجمة حسنة، وقال: كان ابن حزم خبيرًا بالأحكام، بصيرًا بأمور السياسة، وقد أُحرقت داره في قرطبةَ لما استولى عليها البربرُ، وسُبيت نساؤه، ونُهبت أمواله، ونُفي منها، ثم عاد، وكان عبدُ الرحمن الرابعُ المرتضى قد ولي أمرَها، وحضر فيها الوقعة التي جرت بين عبد الرحمن وزاوي صاحب غرناطة، فأسر وبقي في أسر البربر مدة، ثم أطلقوه، وكان متشيِّعًا للأموية، لا يفتُر عن الدعوة إليهم، فانكشف أمرُه لخيران رئيسِ الصقالبة، فقبض عليه، ونفاه.

<<  <   >  >>