للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قالوا فدل ذلك على أن الموتى لا يسمعون، وما يروى من سماعهم خفق النعال لا يصح أيضاً. وأن عذاب القبر خاص بالكفار من اليهود. وقوله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُواءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} (١) .

... قالوا: هذه فى آل فرعون خاصة، فلا يقاس عليهم غيرهم.

وما صح من أحاديث فى عذاب القبر؛ فهو آحاد يفيد الظن، لا يحتج به هنا فى باب العقائد (٢) . وهو يصح لبعض الناس دون بعض ممن فقدت أجسادهم، أو تعذر وصول الحياة إليها (٣) .

... أما دليلهم العقلى فقالوا: لو كان لعذاب القبر أصل؛ لكان يجب فى النباش أن يرى العقوبة أو المثوبة للمعاقب والمثاب، فكان يشاهد عليه أثر الضرب وغيره، وفى علمنا العقلى بخلافه، دليل على أن ذلك مما لا أصل له، ولا مدخل للسمع فيه (٤) .

ويجاب على هذه الشبه بما يلى:

إن زعمهم أن الأخبار مجملة فى إثبات عذاب القبر، ثم انقسامهم حوله إلى ما ذكرنا، يتبين منه: أن المعتزلة، وإن زعم بعضهم بأنه يقطع بوقوعه لدلالة الأخبار عليه، إلا إنهم لم يسلموا للنصوص فى ذلك تسليماً كاملاً، ولم يسلم هذا الأمر من إقحام عقولهم فى جزئيات منه.

نعم: إن من أثبته منهم أثبته فى الجملة، ولكنهم خاضوا فى ثبوته لعصاة المؤمنين، وفى كيفيته، ووقته مما دفعهم إلى رد بعض النصوص، وتأويل بعضها (٥) .

... فما زعموه من تعارض عذاب القبر ونعيمه بقوله تعالى: {أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} (٦) فلا حياة ثالثة.


(١) الآية ٤٦ من سورة غافر.
(٢) انظر: شرح الأصول ص ٧٣٠ –٧٣٢.
(٣) فضل الاعتزال ص ٢٠٣.
(٤) شرح الأصول ص ٧٣١ – ٧٣٢، وفضل الاعتزال ٢٠١ – ٢٠٣.
(٥) شرح الأصول ص ٧٣ وما بعدها.
(٦) جزء من الآية ١١ من سورة غافر.

<<  <   >  >>