للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثاني: شبهة عرض السنة النبوية على العقل والرد عليها]

لم يكتف أهل الزيغ والهوى بعرض السنة المطهرة على القرآن الكريم للحكم عليها قبولاً أو رفضًا، وإنما سلكوا مسلكًا آخر في الحكم عليها والتشكيك فيها بعرضها على العقل (الصريح) ، فما وافقه قبل ولو كان آحادًا _ صح أو لم يصح _ وما لم يوافقه _ حتى ولو مع إمكان التأويل _ ردوه ولو كان متواترًا صحيحًا.

وهذا المسلك والمنهج (عرض السنة على العقل بالمفهوم السابق من أصول أهل الكفر والبدع والأهواء كما حكاه عنهم الأئمة: ابن قيم الجوزية، وابن أبي العز، وابن قتيبة، والشاطبي.

يقول ابن قيم الجوزرية: وبالجملة فمعارضة أمر الرسل أو خبرهم بالمعقولات إنما هي طريقة الكفار" (١) .

ويقول ابن أبي العز (٢) : "كل فريق من أرباب البدع يعرض النصوص على بدعته، وما ظنه معقولاً، فما وفقه قال: إنه محكم، وقبله، واحتج به، وما خالفه قال: إنه متشابه، ثم رده، وسمى رده تقويضًا، أو حرفه وسمى تحريفه تأويلاً (٣) .

ويقول الشاطبي في باب (مأخذ أهل البدع بالاستدلال) : "ردهم للأحاديث التى جرت غير موافقة لأغراضهم ومذاهبهم ويدعون أنها مخالفة للعقول، وغير جارية على مقتضى الدليل، فيجب ردها، ولما ردوها بتحكم العقول كان الكلام معهم راجعًا إلى أصل التحسين والتقبيح العقليين، فإن محصول مذهبهم تحكيم عقول الرجال دون الشرع، وهو أصل من الأصول التى بنى عليها أهل الابتداع في الدين،


(١) مختصر الصواعق المرسلة ١/ ١٢١.
(٢) ابن أبى العز: هو عبد العزيز بن عبد السلام بن أبى القاسم السلمي الشافعي أبو محمد، أحد الأئمة الأعلام، الملقب بسلطان العلماء، من مصنفاته: قواعد الأحكام في مصالح الأنام، والإلمام في أدلة الأحكام، والتفسير الكبير، مات سنة ٦٦٠هـ. له ترجمة في: طبقات المفسرين للداودي ١/ ٣١٥ رقم ٢٨٨، والبداية والنهاية ١٣ / ٣٣٥، شذرات الذهب ٥/ ٣٠١، وطبقات الفقهاء الشافعيين لابن كثير ٢/ ٨٧٣ رقم ١٠، وذيل طبقات الفقهاء للشافعيين للعبّادي ص ٣٦.
(٣) شرح العقيدة الطحاوية ٢/ ٨٠.

<<  <   >  >>