فقد ظهر واضحاً جلياً لكل ذى عقل، وقلب سليم، أن الحديث صحيح رواية ودراية، وأن ما زعمه أهل الزيغ من أن لفظ الخلوة فى الحديث - محمول على الخلوة المحرمة، مردود عليهم بما جاء فى بعض طرق الحديث "فخلا بها فى بعض الطرق أو بعض السكك، وهى الطرق التى لا يخلو منها المارة من الناس.
كما اتضح جلياً أن تلك المرأة التى خلى بها النبى صلى الله عليه وسلم، كانت لها مسألة أرادت أن تستفتى فيها النبى صلى الله عليه وسلم، وتلك المسألة مما تستحى من ذكره النساء بحضرة الناس، وكانت إجابة النبى صلى الله عليه وسلم، لها أن تلتمس بعض الطرق أى تلتمس أى جانب من الأماكن العامة التى لا تخلو من مرور الناس غالباً حتى يسمع حاجتها، ويقضيها لها، ومن هنا جاء التعبير بلفظ الخلوة، وكل هذا صرحت به رواية الإمام مسلم.
وما ختم به النبى صلى الله عليه وسلم، حديثه مع المرأة من قوله "والذى نفسى بيده إنكم أحب الناس إلى" هذا منه صلى الله عليه وسلم، تأكيداً لما قاله مراراً من جعله علامات الإيمان حب الأنصار، ومن علامات النفاق بغضهم، ثم إن هذه الكلمة قالها النبى صلى الله عليه وسلم، جهاراً على ملأ من الناس - لنساء وصبيان من الأنصار كانوا مقبلين من عرس.
... ففى رواية البخارى عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "أبصر النبى صلى الله عليه وسلم، نساءاً وصبياناً مقبلين من عرس فقام ممتناً فقال "أنتم من أحب الناس إلى"(١) .
فهل بقى بعد كل هذا حجة فى الحديث لمن أرادوا أن يشوشوا به على سيرة النبى صلى الله عليه وسلم، وهم يوهمون البسطاء أنهم من المحبين للنبى صلى الله عليه وسلم، المدافعين عنه، فىالوقت الذى يجحدون فيه سنته العطرة، ويطعنون فى عدالة الإمام البخارى، وفى صحيحه الجامع، ويسفهون عقول المسلمين القائلين بقول سلفهم الصالح - رضي الله عنهم - ويستخفون بعقول القارئ لهم؟ أ. هـ.
والله تبارك وتعالى
أعلى وأعلم
(١) أخرجه البخارى "بشرح فتح البارى" كتاب مناقب الأنصار، باب قول النبى صلى الله عليه وسلم للأنصار: أنتم أحب الناس إلى ٧/١٤٢ رقم ٣٧٨٥، وكتاب النكاح، باب ذهاب النساء والصبيان إلى العرس ٩/١٥٦ رقم ٥١٨٠.