للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثالثاً: أن عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم، الواردة فى قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (١) العصمة هنا المراد بها عصمته صلى الله عليه وسلم، من القتل، والاغتيال، والمكائد المهلكة، وحمل بعض العلماء العصمة هنا على أنها عصمة من الغواية، والهوى، والضلال، وعدم الوقوع فى المعاصى والمنكرات، وليست العصمة من الأمراض كما سبق أن ذكرنا، بل الأنبياء جميعاً غير معصومين من المرض غير المنفر. فهم جميعاً تجرى عليهم كل النواميس المعتادة التى أودعها الله فى ولد آدم (٢) .

رابعاً: إن القول بأن الحديث معارض للقرآن الكريم، ويصدق المشركين فى قولهم: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} (٣) مردود بأن المشركين كانوا يقولون إن محمداً بشر، وأنه فقير، وأنه لا يعلم الغيب، فهل نكذبهم فى ذلك؟!

ثم إننا نعلم يقيناً، أن الكفار لا يريدون بقولهم هذا، أن يثبتوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أثبته هذا الحديث، وهو أن فلاناً من اليهود سحره بضعة أيام، فأدركه شئ من التغير، وخيل إليه أنه يفعل بعض الشئ، وهو لا يفعله، ثم أن الله شفاه من ذلك، هم لا يريدون هذا، بل يريدون أن رسول الله إنما يصدر عن خيال وجنون، وأنه لم يوح إليه شئ، فإذا آمنا بما دل عليه الحديث لم نكن مصدقين للمشركين فى دعواهم، فمفهوم الحديث شئ، ودعواهم شئ آخر.


(١) الآية ٦٧ من سورة المائدة.
(٢) انظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٢/٧٧-٧٩، والإمام محمد عبده ومنهجه فى التفسير للدكتور عبد الغفار عبد الرحيم ص ٢٥٩.
(٣) الآية ٨ من سورة الفرقان.

<<  <   >  >>