للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خامساً: قاومت السنة الاتجاه الزائف نحو القول بوحدة الوجود أو الحلول أو الاتحاد كما قاومت انحرافات الخوارج والشيعة والمعتزلة والمتكلمين والفلاسفة والصوفية فالتقت كل هذه القطاعات فى مفهوم جامع.

سادساً: كشفت السنة عن أن الفكر الفلسفى لتلك الفرق لا يمكن أن يكون أساساً للفكر الإسلامى، ذلك أن هناك مجموعة من الحقائق الأولية لا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق الوحى والنبوة، وبينت أن الفلسفة ليست قرينة الوحى ولا مناظرة له فهى لا تزيد عن كونها استخداماً للعقل، وهى فى أحسن صورها تعمل على أن تعصم الذهن من الخطأ فى الاستنباط والبرهان.

سابعاً: أصبحت السنة هى البوتقة التى انصهرت فيها كل الثقافات فهى بمثابة النهر الكبير والمذاهب والفرق روافد، وخير ما فى هذه الروافد انصهر فى مفهوم جامع للأصالة الإسلامية وصب فى النهر الكبير، وكان أبلغ ما وصلت إليه هذه الغاية هو قول الإمام الغزالى: إن أساليب القرآن أرجح فى سلامة العقيدة والتزام صفاء الفطرة من جملة أساليب اليونان، والصوفية وفى بوتقة السنة أصبح العقل فى خدمة الوحى يسير فى ضوئه، وأباح فقهاء المسلمين قدراً كبيراً من التأويل والاختلاف فى الفروع دون أن يتجاوزوا وجه الانحرافات الهدامة ... إلخ.

ووصل كثير من مفكرى الإسلام إلى نفس النتيجة التى وصل إليها الإمام الغزالى، حتى قال إمام الحرمين: "لو استقبلت من أمرى ما استدبرت ما اشتغلت بالكلام" (١) وقال: "يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام فلو عرفت أنه يبلغ بى ما بلغ ما اشتغلت به" (٢) وأخرج الخطيب عن الوليد الكرابيسى (٣) أنه لم حضرته الوفاة قال لبنيه: تعلمون أحداً أعلم بالكلام منى؟


(١) صون المنطق للسيوطى ٣ ١٨٣، نقلاً عن أبى المظفر فى كتابه الانتصار.
(٢) انظر: طبقات الشافعية لابن السبكى ٣ /٢٦٠، وسير أعلام النبلاء ١٨ /٤٧٤.
(٣) الكرابيسى هو: الوليد بن أبان الكَرَابيسى، بفتح أوله والراء، نسبة إلى بيع الثياب، انظر: اللباب فى تهذيب الأنساب٣ /٨٨، أحد أئمة الكلام، له ترجمة فى: تاريخ بغداد١٣ /٤٤٦ رقم٧٣١٧، وميزان الاعتدال ١ /٤١٤، وسير أعلام النبلاء ١٠ /٥٤٨ رقم ١٧١٧.

<<  <   >  >>