للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعن دعوى تعارض الأحاديث مع بعضها يقول الحافظ ابن خزيمة: "لا أعرف أنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم. حديثان بإسنادين صحيحن متضادين، فمن كان عنده فليأتي به لأؤلف بينهما " (١) .

قال الإمام ابن حزم: ليس في الحديث الذي صح شيء يخالف القرآن الكريم ولا سبيل إلى وجود خبر صحيح مخالف لما في القرآن أصلاً، وكل خبر شريعة فهو إما مضاف إلى ما في القرآن ومعطوف عليه ومفسر لجملته، وإما مستثنى منه لجملته، ولا سبيل إلى وجه ثالث. فإن احتجوا بأحاديث محرمة أشياء ليست في القرآن قلنا لهم: قد قال الله عزَّ وجلَّ {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} (٢) فكل ما حرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم. مثل الحمار الأهلي، وسباع الطير، وذوات الأنياب (٣) ، وغير ذلك؛ فهو من الخبائث، وهو مذكور في الجملة المتلوه في القرآن ومفسر لها، والمعترض بها يسأل: أيحرم أكل عذرته أم يحلها؟ فإن أحلها خرج عن إجماع الأمة وكفر، وإن حرمها؛ فقد حرم ما لم ينص الله تعالى على اسمه في القرآن، فإن قال هي من الخبائث قيل له: وكل ما حرم عليه السلام؛ فهو كالخنزير، وكل ذلك من الخبائث. فإن قال قد صح الإجماع على تحريمها، قيل له: قد أقررت بأن الأمة مجمعة على إضافة ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم. من السنن إلى القرآن الكريم، مع ما صح عنه صلى الله عليه وسلم. قال: " لا ألفين أحدكم متكئًا على أريكته يأتيه أمر مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدرى؟ ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه " (٤) .


(١) علوم الحديث لابن الصلاح ص ١٧٣، وتدريب الراوي ٢/ ١٩٦، وفتح المغيث للعراقي ص ٣٣٦، وفتح المغيث للسخاوي ٣/ ٧١.
(٢) الآية ١٥٧ من سورة الأعراف.
(٣) سيأتى تخريجه ص ٤٥١، وانظر: أمثلة أخرى عل ما اعترضوا عليه من الأحاديث الصحيحة لمخالفتها في نظرهم القرآن الكريم، ولا مخالفة في الحقيقة في الباب الثالث، حديث رؤية الله عزَّ وجلَّ.
(٤) أخرجه أبو داود في سننه كتاب السنة، باب لزوم السنة ٤/ ٢٠٠ رقم ٤٦٠٥، والترمذي في سننه كتاب العلم، باب ما نهى عنه أن يقال عند حديث النبي صلى الله عليه وسلم. ٥/ ٣٦ رقم ٢٦٦٣، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه في المقدمة، باب تعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. والتغليظ على من عارضه ١/ ٢٠ رقم ١٣ من حديث أبى رافع رضي الله عنه.

<<  <   >  >>