للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما الضبط فيعرف بمدى موافقته لأهل الحفظ، فإن وافقهم غالبًا، ولو أتى بأنقص لا يتغير به المعنى، أو في المعنى؛ فهو ضابط محتج بحديثه، وإن وافقهم نادرًا، وكثرت مخالفته لهم والزيادة عليهم فيما أتى به؛ فهو مخطئ مغفل، عديم الضبط، لا يحتج بحديثه، وإلى ذلك أشار الإمام الشافعي _ رحمه الله تعالى _ فيمن تقوم به الحجة؛ فقال: "إذا شارك أهل الحفظ وافق حديثهم" (١) .

ويقول أيضًا: "ولا يستدل على أكثر صدق الحديث وكذبه إلا بصدق المخبر وكذبه، إلا في الخاص القليل من الحديث، وذلك أن يستدل على الصدق والكذب فيه، بأن الحديث المحدث ما لا يجوز أن يكون مثله، أو ما يخالفه ما هو أثبت وأكثر دلالة بالصدق منه" (٢) .

وقال الخطيب في الكفاية:"باب وجوب اطراح المنكر والمستحيل من الأحاديث" (٣) يقول الأستاذ عبد الرحمن المعلمي: وفي الرواة جماعة يتسامحون عند السماع وعند التحديث، لكن الأئمة بالمرصاد للرواة، فلا تكاد تجد حديثًا بين البطلان، إلا وجدت في سنده واحدًا أو أثنين أو جماعة قد جرحهم الأئمة (٤) .

يقول الأستاذ عبد الفتاح أبو غدة _ رحمه الله تعالى _: "إن المحدثين الحفاظ المتوسعين في جمع الحديث جرت عادتهم على سماع ما يحدث به من الأحاديث وما لا يحدث به، لأنه ينفع في وجوه كثيرة من علوم الحديث، ولذلك قالوا وقرروا هذا القاعدة، التى عبر عنها الحفاظ يحيى ين معين بقوله: "إذا كتبت فقمش وإذا حدثت ففتش" أى عند تحمل الحديث وتلقيه عن شيوخ الرواية، يجمعون منه ما استطاعوا عن كل شيخ، ولكن عند تحديثهم يفتشون فيما تحملوه من الأسانيد والمتون، فلا يحدثون إلا بالأسانيد المتصلة بالعدول الثقات الضابطين عن مثلهم، والمتون الخالية من الشذوذ والعلة.

وما تبين لهم من كذب أو وهم أو بلايا للرواة في الأسانيد، أو الشذوذ، أو علة في المتنون يمكسون عن التحديث بها، ولا يذكرونها إلا مع البيان لما في تلك الأسانيد أو المتنون من ضعف وشذوذ، وربما يحرقون هذه الكتب ويقطعونها، وكل هذا تجده مذكورًا في تراجم طائفة كبيرة من الرواة المجروحين.


(١) الرسالة للإمام الشافعي ص ٣٧١ فقرة رقم ١٠٠١، وانظر: فتح المغيث للسخاوى ١/ ٣٢٨.
(٢) الرسالة للشافعي ص ٣٩٩ فقرة رقم ١٠٩٩.
(٣) الكفاية ص ٦٠٣.
(٤) الأنوار الكاشفة ص ٦، ٧.

<<  <   >  >>